قرأت عن الفيلم الأسباني "إل أورفاناتو" أو " الميتم" بالصدفة في إحدى المواقع المتخصصة في كتابة مقالات ومراجعات حول السينما في العالم، ماكان مهما بالنسبة لي هو أن الفيلم يندرج تحت ما يسمى بسينما " الرعب النفسي" ، أما الأهم فهو "بوستر" الفيلم: طفل يرتدي قناع قماشي قذر لرأس أرنب، إحدى عينيه بلاستيكية والأخرى بشرية ولكنها ثابتة كحجرة، إذن : هناك أطفال، وبالمناسبة فإن وجود الأطفال في أفلام الرعب مازالت تحتفظ بقوة تأثيرها رغم تكرارها في أكثر من فيلم وفي أكثر من بلد، لذا فإن وجود طفل في فيلم يحمل اسم " الميتم" ليس غريبا، بل الغريب هو أن يرتدي هذا الطفل قناع يبدو أنه قناع أرنب (على طريقة الرجل الفيل) ، وهذا الجزء هو ما جعلني أبحث عن الفيلم من فوري، "الميتم" قديم نوعا ما (إنتاج 2007)، ولكني لم أكن قد سمعت به رغم أني متابعة جيدة للسينما الأوروبية وسينما الرعب على السواء.
في " الميتم" لا عيون مفقوءة ولا دماء تسيل ولا كائنات خضراء لزجة ولا أي شيء من هذا، إنه مختلف تماما عن أفلام "المنشار" و " عيون الجحيم" و " مجزرة تاكساس" وغيرها من أفلام "الرعب المعوي" التي داست بأقدام غليظة على سينما الرعب النفسي التي حاكها مخرجون قديرون مثل هيتشكوك بخيوط الدانتيلا، وبالمناسبة فإن هناك نكهة "هيتشكوكية" واضحة في الفيلم، ويظهر ذلك في المشاهد الأولى للفيلم حيث ورق الحائط الذي تمزقه أيدي الأطفال الغاضبة، الممثلة "بيلين رويدا" في دور الأم "لورا" حملت الفيلم على عاتقها، وقد منحت الدور من روحها لدرجة تُشعرك أن جلد وجهها يُمثّل أيضا.
"تيمات" الفيلم ليست جديدة على الإطلاق، فبجانب "الطفل" الذي يبدو كطفل ولكنه ليس كذلك ، فإن " الميتم" ليس أول فيلم يرتكز على علاقة الأم - الابن: فهناك فيلم "المأخوذ" لهيتشكوك، و "طفل روز ماري" لرومان بولانسكي، و" الآخرون" لأليخاندرو أمينابار وبطولة نيكول كيدمان، وهو آخر فيلم أنتجته هوليوود من أفلام الرعب النفسي والذي لقي شهرة مدوّية، وربما هو أكثر الأفلام تشابها مع " الميتم": بيت فخيم ذو طابع قوطي كئيب، تسكنه أم حائرة وطفل كثيرالأسئلة، ثم العلاقة المتوترة بينهم.
التصوير الذكي والموسيقى المدروسة تجعل المشاهد يكاد يقسم أنه رأى الأشباح طيلة الفيلم، بينما المشاهد المرعبة فعليا أقل من خمسة مشاهد في فيلم يبلغ طوله 105 دقائق، فعناصر التصوير والإخراج والموسيقى يهيئون لك الجو أما الباقي فهو تلفيق من خيالك، وليس هذا فقط، بل قد تهمس في أذنك بخبث بأن ما يحصل لأبطال الفيلم قد يحصل لك أيضا.
في الفيلم استدعاء لقصة " بيتر بان"، الطفل الذي لا يكبر، بل إن البطلة تذكر اسمه الصريح في حوار لها مع ابنها "سيمون" في وجبة الإفطار الأخيرة التي تجمع بينهما، ولكن معالجة الفيلم لقصة "بيتر بان" هنا بطريقة أخشن وأكثر حزنا، فيتحول من " بيتر بان " إلى " وأنا عم بكبر وشادي بعدو زغير"
هناك مشاهد تجعلك تبكي رغما عنك، ولا تعارض بين "الرعب" و"الحزن" أليست المقبرة مكانا مرعبا وكذلك هي أكثر مكان مناسب للبكاء؟!
الفيلم يأسر المشاهد ويرغمه على حبه ومشاهدته وربما أكثر من مرة كما فعلت أنا، " الميتم" محاولة أوروبية موفقة لإعادة القليل من وهج سينما الرعب الراقي بعيدا عن مستنقع الدماء والأطراف المبتورة الذي أغرقتنا فيه هوليوود.
بقلم :
هدى جعفر
في " الميتم" لا عيون مفقوءة ولا دماء تسيل ولا كائنات خضراء لزجة ولا أي شيء من هذا، إنه مختلف تماما عن أفلام "المنشار" و " عيون الجحيم" و " مجزرة تاكساس" وغيرها من أفلام "الرعب المعوي" التي داست بأقدام غليظة على سينما الرعب النفسي التي حاكها مخرجون قديرون مثل هيتشكوك بخيوط الدانتيلا، وبالمناسبة فإن هناك نكهة "هيتشكوكية" واضحة في الفيلم، ويظهر ذلك في المشاهد الأولى للفيلم حيث ورق الحائط الذي تمزقه أيدي الأطفال الغاضبة، الممثلة "بيلين رويدا" في دور الأم "لورا" حملت الفيلم على عاتقها، وقد منحت الدور من روحها لدرجة تُشعرك أن جلد وجهها يُمثّل أيضا.
"تيمات" الفيلم ليست جديدة على الإطلاق، فبجانب "الطفل" الذي يبدو كطفل ولكنه ليس كذلك ، فإن " الميتم" ليس أول فيلم يرتكز على علاقة الأم - الابن: فهناك فيلم "المأخوذ" لهيتشكوك، و "طفل روز ماري" لرومان بولانسكي، و" الآخرون" لأليخاندرو أمينابار وبطولة نيكول كيدمان، وهو آخر فيلم أنتجته هوليوود من أفلام الرعب النفسي والذي لقي شهرة مدوّية، وربما هو أكثر الأفلام تشابها مع " الميتم": بيت فخيم ذو طابع قوطي كئيب، تسكنه أم حائرة وطفل كثيرالأسئلة، ثم العلاقة المتوترة بينهم.
التصوير الذكي والموسيقى المدروسة تجعل المشاهد يكاد يقسم أنه رأى الأشباح طيلة الفيلم، بينما المشاهد المرعبة فعليا أقل من خمسة مشاهد في فيلم يبلغ طوله 105 دقائق، فعناصر التصوير والإخراج والموسيقى يهيئون لك الجو أما الباقي فهو تلفيق من خيالك، وليس هذا فقط، بل قد تهمس في أذنك بخبث بأن ما يحصل لأبطال الفيلم قد يحصل لك أيضا.
في الفيلم استدعاء لقصة " بيتر بان"، الطفل الذي لا يكبر، بل إن البطلة تذكر اسمه الصريح في حوار لها مع ابنها "سيمون" في وجبة الإفطار الأخيرة التي تجمع بينهما، ولكن معالجة الفيلم لقصة "بيتر بان" هنا بطريقة أخشن وأكثر حزنا، فيتحول من " بيتر بان " إلى " وأنا عم بكبر وشادي بعدو زغير"
هناك مشاهد تجعلك تبكي رغما عنك، ولا تعارض بين "الرعب" و"الحزن" أليست المقبرة مكانا مرعبا وكذلك هي أكثر مكان مناسب للبكاء؟!
الفيلم يأسر المشاهد ويرغمه على حبه ومشاهدته وربما أكثر من مرة كما فعلت أنا، " الميتم" محاولة أوروبية موفقة لإعادة القليل من وهج سينما الرعب الراقي بعيدا عن مستنقع الدماء والأطراف المبتورة الذي أغرقتنا فيه هوليوود.
بقلم :
هدى جعفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق