يعود (رون هاوارد) للعب مجدداً على تيمته المفضلة، البطل المغوار الذى يجاهد لتحقيق النجاح والوصول للقمة..قدمها من قبل بين جدران جامعة برينستون فى "عقل جميل"، و فى حلبة الملاكمة فى "رجل السندريلا" ولكنه هذه المرة يقدمها فى ساحات سباقات الفورملا وان حيث ضجيج السيارات ورائحة الموت، متناولاً الصراع الحامى بين النمساوى المنضبط (نيكى لاودا) والإنجليزى اللعوب (جيمس هانت) على بطولة العالم للعام 1976 حيث كان كل منهما قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالبطولة قبل أن تؤول فى النهاية لـ (هانت) بعد انسحاب (لاودا) من السباق.
دراما واقعية:-
دراما ساحات الفورمولا وان وخاصة ساحات 76، دراما صراع (لاودا) و(هانت)، كانت حميمة وجامحة بما يكفى لترضى غرور السينما وتقدمها بدون أن تضفى لمستها المعتادة عليها..وذلك طبقاً لقول (لاودا):"كل شئ كان دقيقاً، فالقصة لم تطلها اللمسة الهوليودية المعتادة لإضفاء الجاذبية عليها".
صراع فلسفات:-
(لاودا) و (هانت) ليس صراع حلبة سباق، بل صراع قيم وفلسفات فى المقام الأول، فلسفة الإنضباط والإستقامة ، وفلسفة الإستهتار وأن تحيا كل يوم كأنه آخر يوم فى الحياة.."ماقيمة أن تحصل عى مئات الألقاب والكؤوس والميداليات بدون أن تحظى بأى متعة؟!"..."تمنيت لو عاش (جيمس) لليوم وشاهد الفيلم"لاودا...أتمنى لو عاش (جيمس) لليوم وشاهد الفيلم كى يعلم أنه لا متعة ولا سعادة تضاهى رفع كأس وملامسة المجد، وتخليد اسمك كبطل كل مرة..ولا حزن أكبر من أن تكون بطلاً للعالم ومن ثم تغدو لا شئ..أتمنى لو لم تخذلنى.
لأنك غريمى:-
"فقط لأنك غريمى..فقط لأنك غريمى كنت على استعداد للموت فى ساحة السباق للفوز عليك"
قد يبدو ظاهرياً وجود عدو بالنقمة ولكنه فى حالة (لاودا) و (هانت) كان نعمة كبيرة..لولا وجود (لاودا) لما تحدى (هانت) الموت وتوج فى النهاية بطلاً للعالم.
"قد نبدو متناقضين ولكنك تكملنى..لأنك تدفعنى للمستحيل"
كان من المتوقع أن يموت (لاودا) نتيجة احتراقه لدقيقة كاملة داخل سيارته فى ساحة نونبرج بألمانيا، إلا أنه فاجأ الجميع ليعود لحلبة السباق من خلال ساحة إيطاليا فقط بعد 6 أسابيع من الحادث ليحرز المركز الرابع ويُشعل المنافسة من جديد بعد أن كانت الأمور تسير إلى تتويج (هانت).. وكأنه لم يتحمل رؤية (هانت) يحصد النقاط بينما هو قابع فى المستشفى يشاهد عبر الشاشة.
الفورمولا وان بين جموح الماضى وقيود الحاضر:-
تغيرات كثيرة طرأت على سباقات الفورملا، ففى الماضى كان السباق بمثابة سباق مع الموت، ومن المثير للدهشة حينها أن ينتهى الموسم بدون أن يلقى اثنين أو ثلاثة حتفهم فى حلبة السباق..ولكن الآن، وتحديداً بعد حادث أيروتن سينا عام 1994، بدأ التفكير جدياً فى وضع السلامة كأولوية أولى، فتم تحديد سعة المحرك وتقليص عدد السيلندرز به لتصل إلى 8 سيلندر وإلى 6، لكبح جماح المحرك وتقليل استهلاك الوقود بعد أن كانت تصل فى الماضى إلى 12 سيلندر..بالإضافة إلى تطوير الهيكل والملابس والإطارات لمزيد من الحماية..وقُلص كثيراً دور السائق لصالح التدخلات التقنية بعد أن كان صاحب الدور الرئيس فى الماضى.
انطلاق..أحد أفضل أفلام العام:-
بالتأكيد هو أحد أفضل وأروع أفلام 2013 وأفضل فيلم رياضى شاهدته لحد الآن، ليحتل مكان "كرة المال" فى قائمتى لأفضل الأفلام الرياضية التى شاهدتها.
صورة سينمائية راقية هى التى صنعها طاقم العمل هنا بقيادة (هاوارد)، ومحاكاة ممتازة وواقعية للسباقات فى حلبة الفورملا وان.
بجانب الصورة الممتازة، شريط الصوت الذى اختلطت فيه موسيقى (زيمار) العبقرية كالعادة بأصوات المحركات الجامحة المثيرة لتصنع شريطاً أخاذاً يلعب دوراً رئيسياً فى الفيلم وليس فقط دوراً تكميلياً، وذلك بوضع المشاهد فى قلب الحلبة.
العامل الأساسى هنا فى اختيار الممثلين هو العامل الشكلى كما يبدو فكان (كريس هيمثورث) فى دور (جيمس هانت) الوسيم اللعوب، و (دانيل برول) فى دور (نيكى لاودا) الهادئ المنضبط.
(لاودا) بعد (هانت):-
اعتزل (هانت) حياة الفورملا وان بعد عامين من تتويجه بطلاً للعالم ليعمل بعدها كمعلق رياضى قبل أن تنتهى حياته بأزمة قلبية بعامه الخامسة والأربعين، كما يروى (لاودا) عن غريمه بالفيلم..أما عن (لاودا) فقد فاز ببطولة العالم بعدها مرتين عام 77و 85 قبل أن يتقاعد ويأسس شركة لخطوط الطيران...الآن (لاودا) هو الرئيس الغير تنفيذى لفريق (مرسيدس) وكان من أدخل بطل العالم للفريق حينها (لويس هيملتون).
(فيرارى) لم تنس ابنها البار فقررت مؤخراً تكريمه واطلاق اسمه على اصدار خاص من إحداى سياراتها.
"الرجل الحكيم يحوز من أعداءه أكثر مما يحوزه الأحمق من أصدقاءه"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق