Director: Nuri Bilge Ceylan
Writers: Ebru Ceylan, Nuri Bilge Ceylan
Stars: Haluk Bilginer, Melisa Sözen, Demet Akbag
تقييمي
8/10
من ويسترن سكرين
تدور أحداث الفيلم حول ممثل مسرحي سابق يدعى (أيدين)، يقوم بإدارة أحد الفنادق الصغيرة بمنطقة كبادوكيا المعزولة في وسط جبال الأناضول مع زوجته (نيهال) التي تمر علاقته الزوجية معها بإضطراب، وفي الوقت ذاته تعاني أخته (نيكيلا) من آثار طلاقها الحديث، ينتاب معظم أفراد الأسرة حالة من الجمود والملل والرغبة في الانطلاق على خلاف ربّ الأسرة الثري، ومع بداية تساقط الثلوج في فصل الشتاء يتحول الفندق إلى مأوى وملجأ ومكان لا يمكن لشخصيات الفيلم الفِرار منه، مما يحفز العداوات الكامنة فيما بينهم ويجعل الفندق تربة خصبة للضغائن التي تظل حبيسة جدران الفندق.
يعتمد السيناريو على الحوارات الثنائية التي تدور بين (أيدين) وأخته، وزوجته، لكسر الملل بديلاً عن تنامي الأحداث.. وعلى المُشاهد مشاركة الأسرة بياتها الشتوي ومتابعة كلاً مِن أفرادها في عرضِه لوجهة نظره. يساعد ثراء الشخصيات بالتفاصيل، والتعبير بالصورة العبقرية المتميزة عنهم واختيار الممثلين بدقة والإعتماد على تعابيرهم القوية، والإضاءة واختيار زاوية التصوير بعناية.. كل ذلك يساعد على التعبير عن مشاعرهم الإنسانية المعقدة وحيّرة الجميع, وبحثهم عن شيئاً ما لا يجدونه. ويستخدم المخرج لقطات بانورامية بكثرة للطبيعة الصحراوية للمكان، ليؤكد على الإنعزال والغربة التي تحيط بالشخصيات. كما استخدم المخرج الصحراء وكل مفردات الطبيعة الأخرى المتوفرة بالمنطقة بإتقانٍ شديد، الثلج يوليه عناية خاصة، ويستخدم الخيول البرية في مشهد مصور بعبقرية، وبكل هذه الوسائل قد وضع المخرج المُشاهد داخل الأحداث؛ كما استخدم الصوت ببراعة شديدة كعادته.. أعتمد على عزف البيانو كموسيقى تصويرية للفيلم، واستخدم صوت صرير الهواء في الصحراء وأجيج النار في مواقد التدفئة لضبط إيقاع الفيلم.
(أيدين) تعني المستنير .. يقول نوري سيلان عن ما نطلق عليهم المستنيرين: «أنهم جاهلين تماماً إلى درجة مُحيِّرة.. الخداع الذاتي لديهم متقدم إلى درجة متناهية ونشطة، وعندهم القدرة على تزيين كل ما يقومون به بالإستقامة.. يستخدمون مفاهيم أساسية مثل الضمير والأخلاق بكثرة للتعمية على سلوكهم». يهتم السيناريو بِعالَم (أيدين) الراقي والمثقف المطلّع، يكتب مقالاً أسبوعيًا لجريدة محليّة محدودة التوزيع، ويأمل أن يؤلف كِتاباً يؤرخ فيه للمسرح التركي.. يثق في نفسه ويشعر بسموّه فوق الجميع لكونه مثقفًا غنيًّا، كثيرا ما يتهكم على الآخرين، بل يستمتع أحيانًا بذلك.. يَعجز (أيدين) عن احتضان زوجته وأخته برغم أنه مشحون بشحنة إنسانية وفكرية وروحية عميقة.. تتهمه زوجته بأن تعاليه أمات قلبه ودفن مشاعره منذ زمن بعيد.
يقول نوري سيلان: «شخوص الفيلم مستوحاة من بعض الناس من حولي، وربما يوجد فيها جزء مني.. جميعهم يعرفون جيداً حقيقة بعضهم بعضاً.. الإنسان في ثقافتنا أكثر ميلاً لخداع نفسه.. ودائماً ما يرى نفسه على حق.. هذه ليست استقامة.. لا أحد يُحمِّل نفسه الخطأ.. في الواقع، نحن بحاجة إلى أشخاص يتحملون المسؤولية».
يعرض الفيلم مَشاهد رائعة وجذّابة لطبيعة جبال الأناضول.. ثرية بصريًّا للغاية بإيقاع بطيء، رصين وننبهر بعد أن نتعرف على إمكانيات لم نكن نتوقعها من السينما.. استطاع سيلان التعبير عن سيكولوجية أبطاله وما تُبطِنه داخل هذا المكان.. دلالات المكان وعمقه.. حكاية إستثنائية ومعقدة لرجل دخل قلبه في سُباتٍ شتوي.. تذكرنا شخصيات الفيلم وما آلت إليه بشخصيات فيلميّ “قناع” و “الصمت” لإنغمار بيرغمان، ولكن لسيلان طريقته وأسلوبه الخاص.. حيث تتلاشى تلك الحدود المصطنعة بين الخير والشر.. بين دوافع البشر، واختياراتِهم، ويُسيطر علينا الشعور بأن أرواح الشخصيات ستظل أسيرة للشعور بالذنب نتيجة أفعالهم السيئة، ولكنها تهفو للرغبة في التحرر بالأعمال النبيلة.
نقل سيلان روح الأدب والروايات العظيمة إلى فن الصور المتحركة.
“كان للسُبات الشتوي إيقاع رائع شَدّني إليه.. كنتُ لأبقى أتابعه حتى لو امتدّ لساعتين إضافيتين.. كان بارعاً.. موهبة الفيلم الحقيقية تكمن في شدّة واقعيته.. إنه لا يُهادن.. لو كان لديّ شجاعة سيلان لكنتُ فخورةً بنفسي.” هكذا عَبّرت رئيسة لجنة تحكيم مهرجان كان “النيوزيلاندية جان كامبيون” عن تقديرها للفيلم ومخرجه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق