There's so much beauty in the world
إخراج : سام مينديزكتابة : ألان بول
بطولة : كيفين سبيسي, آنيت بنينغ, Thora Birch
تقييمي
Top 250 #58
يترك فيلم "أميركان بيوتي" أو "الجمال الأمريكي"، المشاهد حائرًا بين منطقين مختلفين يتجاذبانه في حكمه على الفيلم أو فهم مضمونه، من ناحية يمكن اعتبار الفيلم أنه يتناول الحياة الأمريكية ساخرًا من القيم الزائفة التي يتبناها أفراد المجتمع، والكشف عن ذلك الزيف عبر عرض حياة أسرة نموذجية في تجسيدها لماهية العائلة الأمريكية وتركيبتها. من الناحية الأخرى يمكن تصور الجمال في حقيقة الحياة الكامنة خلف الأشياء البسيطة حولنا في كل تفاصيلها حتى المؤلمة منها أو حسب المقولة الأمريكية "مهما تكن إلا أنها الحياة".
يجوز اعتبار أن المخرج "سام مينديز" قد تبنى الوجهتين في وقت واحد، مستعيناً برؤية فنية تقسم العالم إلى اثنين، العالم الأول تلتقطه عدسة التصوير الكبيرة التي تعرض الجانب الظاهر والعام لحياة شخصيات الفيلم، ويجيء العرض سطحيّاً لا يبين سوى أحداث الفيلم المتتابعة دون الغوص في أسبابها وخفاياها، أما العالم الآخر فتعكسه لنا عدسة "هاوٍ" للتصوير، لتعرض أحشاء الحياة من الداخل، تتوجه صوب اللقطة مباشرة مبينة البعد العميق لها، وتغوص في خفايا الشخصيات، كاشفة خصوصيتها ومداها، فنرى من خلالها النزوات، العنف، المواربة والزيف الذي يغطيه الأشخاص بحلة هشة من "البرستيج" الاجتماعي الذي لا يلبث أن يزول ما أن يجد الأشخاص أنفسهم بعيدين عن الأعين المراقِبة، فيطلقون العنان لنزواتهم الشاذة والمرفوضة من المجتمع؛ لكي تظهر على رسلها دون رقيب أو حسيب من البشر. وينجح المخرج فعلاً في إظهار تناقضات شخصياته، عبر توريطها بمواقف تكون مضطرة لأداء دور الرقيب فيها في مرة، عبر علاقة الأم والأب مع ابنتهما المراهقة. وفي مواقف أخرى يصبح الرقيب نفسه مثالاً على الإنسان المنفلت من الضوابط والروادع الأخلاقية. في جو من الدراما الكوميدية يدخل المشاهد في شبكة من العلاقات الإنسانية المتشعبة، بأسلوب فني جديد قلما تعودنا عليه في السينما الأمريكية، فهذه المرة البطل كائن من البشر يشبه الناس في مشاعره العادية وقدراته المتواضعة، حتى أنه قد يموت كأي كائن بشري! ،وليس البطل الخارق الأسطوري الذي تفضل السينما الأمريكية تقديمه.
هناك نقطتان محوريتان يدور حولهما الفيلم، النقطة الأولى تتجلى في الصراع مع الرقيب المتمثل بالقيم الاجتماعية والضوابط، والنقطة الثانية في تعبير كل من الشخصيات عن هاجس مشترك بينها، وهو أن لا يكون الفرد عاديّاً مهما كان الثمن الذي سيدفعه في سبيل ذلك، وتعبر كل شخصية عن هاجسها ذاك بطريقتها الخاصة. الأب "كيفين سبيسي" الشخص الخاضع لكل أشكال القيود إن كان في عمله في مجلة للإعلانات، أو في بيته مع زوجته المتسلطة "أنيت بنينج" التي تعمل في مجال بيع العقارات، مدفوعة بهوس النجاح على حساب أي شيء، إلا أنه وبعد دخول صديقة الابنة المراهقة في حياة الأب حتى يثور على كل ما حوله من حواجز وممنوع، ويقرر فجأة أن لا يكون عاديّاً، فيتحول إلى إنسان مستهتر، ضارباً باعتراضات زوجته وإبنته عرض الحائط. لتتفكك بعد ذلك الروابط الأسرية، ويتجه كل في وجهة مختلفة عن الآخر. الابنة "ثورا بيرتش"، نموذج خالص للفتاة الأمريكية المراهقة التي تعيش قلقها، ورفضها الدائم لكل من حولها وفي مقدمتهم والداها كالعادة، وتقع الابنة فريسة نزاعات والديها، فتستغل ذلك في عدم خضوعها لسلطتهم لتفعل ما يحلو لها، تحدوها هي الأخرى رغبة التمييز والتفرد. كذلك الحال بالنسبة لصديقة الابنة، التي يدفعها ذلك الهاجس إلى إحاطة نفسها بهالة من الأكاذيب والتي تفضل أن يصبح وصف "رخيصة" مرادفًا لاسمها على أن تكون عادية. أما "هاوِ التصوير" الشخصية التي قام بأدائها بشكل مقنع ومؤثر الممثل الشاب "ويس بنتلي"، حيث لعب دوراً مهمّاً في قلب موازيين العائلة، وكان كاليد الخفية التي تتلاعب بالمصائر دون أن تشارك فعليّاً وبشكل مباشر في ذلك. عبر عدسته الصغيرة التي يصور بها كل شيء من حوله بعد أن يسبغ عليه جمالية معينة انطلاقاً من نظرته كشخص يمتلك رؤية فنية يعبر عنها بالصور، يلتقط المشاهد التي تظهر الكوامن والنزعات الغريبة للناس الموجودين في محيطه، أو تلك التي يستخلص منها الجمال بعدسة مغايرة لعدسة الواقع، كمشهد الحمامة المذبوحة، أو مشهد الكيس الذي يتأرجح في الرياح الخريفية، ممثلاً الذات الإنسانية في قلقها وأهوائها التي تتجاذبها باستمرار في حالة صعود وهبوط ودوران دون أن تستقر على حال وتهتدي إلى مبتغاها. ويتبدى صراع ذلك الشاب في الحالة الفصامية التي يعيشها، شخصية واثقة مما تفعل وتقول مع الناس خارج بيت أسرته، وأخرى خائفة ومترددة وخاضعة لسلطان الوالد صاحب التاريخ النازي الذي يأكله الحنين ليعيش نازيته في رقعة أوسع من جدران بيته، وليمارسها على مجموعة أكبر من زوجته وإبنه الذي يصب عليه موجات غضبه الهستيري العنيف. أن تكون أي شيء سوى عاديّاً قيمة تتبناها كل واحدة من تلك الشخصيات التي تجسد هي بذاتها قيمة معينة، إنما دون أن يكون هناك تعريف واحد ومحدد لما هو اللاعادي، فتختلف الرؤية من شخص لآخر الأمر الذي يولد صراعاً دائماً بينهم في سبيل تحقيق الفرد لكينونته وذاته، ويكشف الفيلم عن غياب القيم الاجتماعية الثابتة في المجتمع مما يؤدي إلى توسع الهوة بين الأفراد والجماعات، ويزيد من احتمالات الصراع فكلٌ يدعي امتلاك الحقيقة طالما لا يوجد حقيقةٌ مطلقة يؤمنون بها. "الجمال الأمريكي" يبيِّن إلى حد كبير كيفية إعادة إنتاج المجتمع الأمريكي لقيمه، وتكريسها عبر مواقف أفراده في الاستماتة في الدفاع عما يؤمنون به صحيحًا كان أم خطأ، من قيم الفردية والنزعات الاستقلالية. وفي النهاية يترك الفيلم الخيار لنا في أن نعتبر أن الجمال فعلاً هو في تقبل الحياة كما هي، بأفراحها وآلامها، أو ننظر إلى الفيلم كونه يحمل ملامح السخرية من الجمال الأمريكي الذي على تلك الهيئة.. , , ,, , , ويكي
السيناريو : عبقري عبقري عظيم
التمثيل : طاقم رائع مع أداء عظيم من طرف كيفن لا ينسى دوره
الإخراج : 10/10 من منديز
التصوير : 10/10 مليان كوادر
الموسيقى التصويرية : 10/10 من توماس نيومان
التمثيل : طاقم رائع مع أداء عظيم من طرف كيفن لا ينسى دوره
الإخراج : 10/10 من منديز
التصوير : 10/10 مليان كوادر
الموسيقى التصويرية : 10/10 من توماس نيومان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق