الأحد، 29 سبتمبر 2013

وجدة Wadjda


هذا العمل درس جد مهم ومبهر , درس حول اللغة السينمائية , تلك اللغة التي لا تنتمي لثقافة ما او بيئة او حتى موطن ,, السينما كونية لوحدها والتي تنتمي لصورة والصورة تَلج من صانعها , المخرجة السعودية هيفاء المنصور والتي تقدم تجربتها الاولى , بل اول تجربة لسينما السعودية أن أُجيز المسمى , لانه المملكة العربية السعودية لا يسترعي انتباهها الفن السينمائي بل أن تمنع وجود دور للعرض السينمائي على اراضيها .. الحقيقة أجد نفسي جد سعيد بعد مشاهدتي فيلم هيفاء المنصور هذا , فالعمل صدقاً فاق توقعاتي الشخصية الاولية والتي خلقها طبيعة السينما العربية في الاونة الاخيرة وطبيعة موطن الفيلم وكنت أظن أنني سأجد أمامي شكل من أشكال التكريم المبهرج عالمياً لعمل يقدم من دولة لا تؤمن بالسينما كفن او كرافد ثقافي , ومحاولة التكريم من باب حالة التمرد التي خلقتها محاولة مخرجة العمل هذه , ولكني بعد المُشاهدة أيقنت أن عمل (وجدة ) عمل سينمائي ممتاز ويستحق المديح والتكريم النقدي الواسع الذي طاله ,,



أي مشاهد سوف يلحظ ان العمل قدم ببساطة , بل أن الحالة الدرامية المقدمة ليست بتلك الاهمية او التعقيدات الحدثية , ولكن من جهة أخرى تلمس هيفاء المنصور بدقة متناهية العديد من الوقائع المريرة التي تعتاشها المرأة في المجتمع السعودي والعربي بشكل عام .. تحاول مخرجة العمل ان ترسم مسار لطفلة وجدة التي تطمح ان تقتني دراجة هوائية ومع رفض كل من يحيطونها هذا الامر , تبحث تلك الطفلة عن حل تكون قادرة على شراء تلك الدراجة لتشارك في نهاية الامر في احد مسابقات حفظ اجزاء من القران الكريم ..

هيفاء المنصور في عملها هذا ارتكزت على عدة اؤسس ,, بداية من الايات القرانية التي تم ترتيلها في العمل والتي كانت مختارة بعناية ودقة , ومحاولتها أظهار العجز التام للجنس الانثوي في المجتمع السعودي وتلك القيود التي يعاني منها دون اضفاء ميلودراما مبتذلة او أضافات فجة تؤدي الى التأثير العاطفي بالمشاهدين ,, واخيراً محاولة تهميش الجانب الذكوري في العمل وتلك النظرة للذكور بأنهم المركز الرئيسي للحياة ..

في العمل لم يكن هناك جاني ومجني عليه , لم يكن هناك منعطفات سوداوية , بل شبكة من الكبت والمقت الذي يقلده الاب للأبن والمعلم للتلميذ وتلك الظلال والاشكال التي تجعل الدين مجرد عباءة او عبىء نرتديه على وجوهنا طيلة حياتنا .. تقدم هيفاء المنصور الذكر بشكل الصورة المعلقة على الحائط , تلك الصورة التي تحمل قدسية تمنع من المس او التدنيس , الرجل الذي منح كافة القدسيات لمجرد انه يمتلك ماركة مسجلة من خلال تلك الشعيرات التي تنمو في الوجة !! , اما المرأة فهي عجلة تدوسها ارجل الذكور للأستمرار في الحياة والانتقال منها الى أخرى دون أي تبرير .. ولعل ذلك احد اهم الاسباب الذي جعل هيفاء المنصور ترسم طموح تلك الطفلة "وجدة" بأن تقتني دراجة وذلك لتحاول ولو لمره ان تّسير بدل ان تُسير , وهذا يوصلنا للمشهد الختامي الذي تجد "وجده" نفسها فيه على مفترق طرق , فتنظر الى اليمين واليسار في أشارة من مخرجة العمل ان لها الخيار في الطريق الذي تود ان تكمل حياتها فيه دون أي رقيب او مسيطر خارجي عليها ,,

لن أنكر ان هناك بعض الضعف في التسلسل الحدثي والشرح الغير مبرر لرمزيات المطروحة في العمل مع وجود بعض التفاصيل التي تظهر بشكل تلفزيوني اكثر من سينمائي , ولكن تلك السلبيات لا تكاد تُضيع بهجة العمل ككل وقيمته والنظرة الفنية والاخراجية المقدمة من هيفاء المنصور ..

وجدة عمل سينمائي جد ممتاز ويستحق التكريم الذي أحاطة ,, ولعلي أقف هنا عند افتتاحيتي للمقال , عندما قلت ان السينما لا تعرف موطن او بقعة او مجتمع ما , السينما موطنها الصانع بحد ذاته , لطالما سمعنا بسينما المغرب العربي والسينما المصرية والعراقية وحتى السورية ولكني اجد في اللحظة أن فيلم وليد بقعة لا تؤمن بالفن اهم من العديد من الاعمال التي ولدت في بقاع مختلفة تسمي نفسها سينمات عريقة وهامه في موطننا العربي .. !
'عبدالرحمن الخوالدة'

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق