السبت، 30 نوفمبر 2013

Happy Birthday, Terrence Malick

سبعُون عَامًا علي مَولد الاسطُورة (تيرانس ماليك) .. الرجُل الذي لَم يُقدّم في حَياته سوي ستّة افلام فقط ، تربَّع بها علي عَرش مُخرجي "الصورة" في السينما الامريكيّة .. نَشأ (ماليك) في مَزرعة ، توجَّه لدراسة الفلسفَة وتخرَّج من جامعة هارفارد ، ثم التحَق بمعهد الفيلم الأمريكي وحَصل علي الماجستير في صنَاعة الافلام ..




في 1973 ، قدّم Badlands وهو في الثلاثين من عُمره ، وقدّم لنا دراسَة عن اغتراب الشباب في مُجتمعاتهم ، شاب - جيمس ديني المَظهر - يقع في حُب فتاة صغيرة ويقتل والدَها ويهربان معًا ، (ماليك) في العَمل يُقدّم تناقض بين رجُل يقتُل كُل من يقف في طريقه وكأنّما يغسل اسنانه كُل صبَاح ، وحبيبته تتعَامل بلامُبالاة ، وبين شاعريَة كبيرَة في تقديم الطبيعَة وجمَالها .. (ماليك) هُنَا يؤسّس لبداية مشروعه ، تصوير شاعري للطبيعَة مع صوت الراوي .. والرَاوي في افلاَمه لا يروي الفيلم ، وانّما يُمثِّل (ماليك) نفسه ، يطرح تساؤلات عَميقة ، يشرَح وجهات النظر وافعَال الشخصيّة ، يُناقش جمال الطبيعَة والخلق ..
بَعد خَمسة اعوَام ، يُقدّم ماليك Days Of Heaven .. ثالُوث الحُب الابَدي ، مع خلفيّة شاعريّة للطبيعَة ، لكن هذه المرّة تُصبح الطبيعَة شخصيّة اساسيّة تُحرِّك مجري الاحداث .. وكفيلمه الاوّل تحدُث جريمة قتل ، ولا تقف الامور عندها ويستكمِل الفيلم مَساره ..
في هَذا الفيلم ، تَظهر مُشكلة ماليك الحقيقيّة في عدم استطاعته التوفيق بين شاعريتَه ، وبين منطقيّة شخصياته واحداثه ، الكثير من الاسئلة بلا اجَابات .. تشعُر ان (ماليك) يتعَامل بفوقيّة مَا ويتجَاوز هذا الامر تَمامًا
بَعد عشرين عامًا عاد (ماليك) الي السَاحة بفيلمه العَظيم The Thin Red Line ، مَاليك في هذا العَمل يصل الي غايته السينمائيّة الحقيقيّة ويُحقق مشروعه بنجاح ساحِق ، يُقدِّم هجائيّة ساحقة للحروب وتأثيرها في نفُوس الجنود ، يُقدّم وبكل الشاعرية المُمكن تواجدها في فيلم "حربي" الروابط الاخوية بين الجنود ، العلاقات بينهم وبين قادتهم ، احتماليّة ارسالهم للمَوت ، تكليف المُمثلين برسم عَلامات الخوف والجَزَع فقط .. وبالمُناسبة هذا هو الفيلم المُفضل لسكورسيزي في التسعينَات ..
وفي 2005 قدّم رابع افلامه The New World ، وعلي الرغم من استمرار اخلاصه للطبيعَة الا انّه يتخبّط مُجددًا بين اشكاليّة الدراما والشاعريّة ، يختار حُقبة زمنيّة ومكانيّة بدُون اي هَدَف واضح .. يُدين وبشدّة الحضارة والتحضُّر ووحشيّة الانسَان ..
وفي 2011 قدّم The Tree Of Life ، الفيلم الخَامس في مَسيرته ، والانجَاز الاخراجي الأعظم .. تُوّج بسعفة كَان ، ونال ترشيحَا اوسكاريّا فئة افضل فيلم ، في ثنائيّة لم يملكها سوي خمسَة عشر فيلمًا فقط ..
(تيرانس ماليك) هُنَا يقدّم عملاً عظيماً عن الإيمان ، يَحاول فيه ، في طموحٍ سينمائي ضخم ، أن يسرد قصّة البشرية مُنذُ بدايتها ، ويحاول أن يصل إلى الحقيقة ، عن الله ، التجارب الأولى ، الصّعاب التي نمر بها ، والآلام التي لا نحتملها ، الاختبارات التي ننتظر تأويلها ، ليُنتج في النهاية فيلماً مُختلفاً عن أيًّ مما قدّمته السينما قبل ذلك ، وفي الناحيةِ التقنية .. يقدّم ، كعادته ، صورة أشبة بالحُلم ، وإبهاراً لا يُضاهى .. الرجُل يصل الي لغَة بصريّة غير مسبوقة بمُساعدة المكسيكي الفذ (ايمانويل لوبزكي) .. يبدُو ماليك وكأنّما كان يدّخر اعوامه السينمائيّة الاربعين ليُقدّمها هُنا ..
وفي 2012 يطرح فيلمه To The Wonder ، يُقدّم الرجُل فيه تساؤلات وجوديّة عن الحُب واسبابه .. ولا يحَاول ايجَاد الاجابات .. فقط اسئلة من خلال علاقة رجُل بامرأتين ، مرّة اخري - وربما بالشكل الاكثر وضوحًا - يفقد الفيلم البناء الدرامي تمامًا .. تصل الي درجة عدم فهم دوافع اي شخصيّة ، لا نعرف الي اين تذهب الشخصيّات ولا نعرف اي شيء ، فيلم مُتخبّط علي كثير من الاصعدة .. هذا هو اسوأ اعمال الرجُل علي الاطلاق ..

ختامًا ، في اعمَال (ماليك) ، لا ادبَاء ولا شُعرَاء ولا فلَاسفة ، وانّما رجال يعملون في الحَقل ، او جُنود يتقاتلون في الحُرُوب .. النساء في اعماله مُحبّة رقيقة ، او ام حنونَة ..
في اعمَال (ماليك) مُحَاولة دائمَة للتجرُّد من الزمَان والمكَان ، نفور من الحَضارات التي جَلبت الخراب للأرض ، التحَام تام مَع الطبيعَة ، لا اجَابات شافية ، وانّما سعي دؤوب للمَعرفة ..

بقلم : Mohamed El Seginy

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق