الأحد، 1 ديسمبر 2013

The Hours (2002) عندما تلدغك عقارب الساعة


إخراج : Stephen Daldry
كتابة : David Hare عن رواية Michael Cunningham
بطولة : ميريل ستريب, نيكول كيدمان, جوليان مور 

تقييمي

أفضل أداء لنيكول كيدمان في مسيرتها الفنية 


مراجعة بقلم bloodyhunter


شخصياً ، أنا أرى هذا الفيلم من الكلاسيكيات و الروائع التى يندر الإتيان بها 
فى السنوات الأخيرة .. أراه من أفضل الروائع التى قدمت فى العقد الأخير ..
رائعة إنسانية شاعرية تقدم لنا حالة - أتحدى ألا يكون هناك من لم يمر بها فى حياته - بمنتهى الدقة
و الشاعرية و السوداوية و الجمال !!
رائعة إنسانية تطرح حالة ، إذا تمكنت من المرء ..
يصبح أمامها بلا حول و بلا قوة !


عندما تشعر بأن قطار العمر تدهمك عجلاته دون رحمة ! .. تشعر بثقل الساعات يجثم على صدرك ..
يجثم عليه حتى تضيق أنفاسك ، حتى يتوه الهواء عن أنفك !!
حتى لا تقوى على اجتلاب الهواء إلى رئيتك !
حينما تنتشر الأصوات المزعجة فى رأسك ،
و تحدث هذا الصرير القبيح الغير محتمل !
تشعر و كأن هناك الآف الألسنة تتراقص فى ردهات عقلك ،
تتراقص مرددة أسئلة سوداوية مقبضة !
أسئلة تفقدك رغبتك فى الحياة ، بل إنها أسئلة تجعلك
تتمنى لو أنك لم تولد أو ترى الدنيا من الأساس !!
فيما أمضيت حياتى ؟! فيما أفنيت عمرى ؟!
أتستحق حياتى ما صنعته خلالها ؟!
هل كنت ذى قيمة فى تلك الحياة ؟! هل كنت ذى نفع ؟!
أم أن حياتى صارت هباءاً منثوراً ؟!
أم أن العمر مضى بى دون أشعر ؟!
أم أننى حييت الحياة التى لم ارغب بها و لم أتمناها لى ؟!
هل اخترت الصمت طوال عمرى عن حياة
لا ارضى بها و لا ارتضيها لنفسى ؟!
رباه !! .. أنا لست راضياً عن حياتى تلك التى أحياها !! ،
رباه !! .. لقد أفنيت عمرى هدراً !!
رباه ، أين تلك الحياة التى تمنيتها ؟! ..
كيف مر بى العمر و أنا أعيش حياة لم أكن احتملها ؟!
كيف وجدت المبررات لحياة لا أرضاها و لا أتمناها و لا أطيقها ؟!
كيف أفنيت عمرى دون أن ابحث عن سعادتى ؟!
كيف أفنيت شبابى دون أن أصل لحياتى التى أرضاها ؟!
رباه !! ، هل وجب علىّ الآن التمرد !! .. 
هل التمرد مجدى الآن ، أم أنه صار بلا جدوى ؟!
هل اصمت و اواصل فى حياة لم أكن و لن ابتغيها !!
أم أحاول التغيير حتى و إن كان الوقت صار متأخراً للغاية !
رباه !! .. لم أعد احتمل .. لم أعد أطيق صبراً ..
ليست تلك الحياة التى ارتضيها لنفسى ،
و ليست تلك الحياة التى ترتضيها لى !! .. ما العمل ؟! ما العمل ؟!
هل علىّ مواجهة الساعات بثقل خطواتها و ثقل وقعها
و هى تزهق أنفاسى لحظة بلحظة ؟!!
هل علىّ مواجهة الساعات لتذكرنى بماضى لم ارغب به
و حاضر يقتلنى قتلاً
و مستقبل لا أقوى على تغييره
و لا أقوى على احتماله كما هو على حاله ؟!!
رباه !! .. إن الساعات ثقيلة ، إن الساعات بطيئة
.. إن الساعات مميتة .. إن الساعات قاتلة !!
فيما أمضيت حياتى ؟!! فيما أفنيت عمرى ؟! فيما قتلت شبابى ؟!!
إن عقارب الساعة لم تعد تصدر صريراً بنبهنى لمضى اللحظات ،
لا ، إن عقارب الساعة صارت تلدغنى لدغات سامة فى كل لحظة !!
لدغاتها سامة ، لدغاتها قاتلة !! .. لدغاتها فتاكة !!
رباه !! .. أتمنى لو استطيع الاختفاء !!!!



قصة و سيناريو و حوار الفيلم ..

الفيلم عن رواية الكاتب مايكل كانينجهام ..
و السيناريو و الحوار للمؤلف ديفيد هار ..



باختصار ، الفيلم يدور عن ثلاثة سيدات من حقبات زمنية مختلفة ،
واحدة فى عام 1941 .. و الأخرى فى عام 1951 .. و الأخيرة فى عام 2001 
يتشاركون ذات القاسم المشترك ،
هن لا يرضون عن حياتهم التى يعيشونها ، و لا يحتملون مواجهة الساعات فى تلك الحياة البغيضة ..
التى صاروا يبغضونها .. يشعرون أن حياتهم مضت دون هدف و دون قيمة ..
يشعرون بانهم قتلوا أنفسهن بأنفسهن حينما أقحموا أنفسهن فى تلك الحيوات ..
و معهم الشاعر المريض بالمرض القاتل ،
و لا يقوى على مواجهة الساعات التى يقتله خلالها مرضه
التى يقتله خلالها وحدته و عزلته ..
حتى الجائزة التى نالها عن شعره ،
يشعر بهم قد منحوه إياها بدافع الشفقة و العطف ،
و ليس بدافع موهبته ، فما قيمته و ما قيمة حياته و لما عليه مواصلة
مواجهة الساعات بوحشيتها فى مثل هذه الحياة التى لم تعد لها قيمة و لم تكن لها قيمة ؟!



أما عن سيداتنا الثلاثة .. فالأولى فى عام 1941 ..
فيرجينيا وولف .. ( نيكول كيدمان )
تعانى من المرض النفسى و تحاول الانتحار مرتين ،
فتفرض عليها رعاية طبية فائقة ،
و تعيش هى و زوجها فى مدينة ريتشموند التى تكرهها و تبغضها و لا تحتمل الحياة بها ..
و يتسرب يأس الحياة إليها ، 
و تشعر بنفسها تفقد آدميتها فى هذه الرعاية الطبية
و هذا الفرض عليها فى اهتماماتها و معاملاتها و الذى يقهرها قهراً ..
و نرى نيكول كيدمان فى مشهد حوارى بديع فى منتصف أحداث الفيلم ، تصرخ على زوجها ..
و تحاول أن توضح له فى حوار بديع 
" أنا أعيش حياة ، ليس لى رغبة فى أن أعيشها !! .. "
و عندما يخبرها زوجها بأن هذا بسبب الأصوات المزعجة فى رأسها و حالتها النفسية و مرضها النفسى ..
تثير ثائرتها و تصرخ عليه - فى أداء أكثر من رائع لـ نيكول كيدمان ..
" إنه ليس كذلك .. إنه صوتى .. إنه صوتى !! 
إننى احتضر فى هذه البلدة .. إنها حالتى الخاصة و من حقى أن أبدى الاختيار فى وصفتى العلاجية ،
إن المريضة الوضيعة ، بل أكثر المريضات حقارة و وضاعة .. 
لها الحق فى أن تختار و تبدى رأيها فى وصفتها العلاجية .. فهذه أبسط حقوق إنسانيتها ..
زوجى العزيز ، لا يمكنك أن تحيا فى هدوء ، بتفاديك للحياة ذاتها !! "






الحوار فى منتهى الإبداع و السيناريو رائع بحق ..



أما سيدتنا الثانية .. فى عام 1951 ..
" عندما تصبح حياة إمرأة ، حياتها كاملة فى يوم واحد !! "
إنها لورا براون " جوليان مور " ..
إنها تحيا مع زوجها الجميل و ولدها الصغير الرائع ،
لكنها غير راضية و ربما هى لا تعلم لماذا هى غير راضية !!
لا تشعر بذاتها ، لا ترى سبباً لوجودها فى تلك الأسرة الجميلة !!
لا تشعر بانها كيان له قيمة فى تلك الحياة !!
فتبحث عن مبرر لحياتها ، و إذا بها فى يوم عيد ميلاد زوجها ..
تنهص من الصباح الباكر و تقضى
نهارها بأكمله فى إعداد كعكة عيد الميلاد !!!
و لكن مهلاً ، الأمر لا يفلح !! .. الأمر لا يجدى !!
لا زالت غير راضية .. و لا زالت تعجز عن
إيجاد مبررات كافية لتخبر بها زوجها ..
عن أنها لم تعد تحتمل تلك الحياة ! ..
فهو يحسن معاملتها و ينعمون معاً بطفل جميل ..
أين المبررات الكافية ؟! هى لا تعلم ،
و لكن هذا الشعور الممض فى أحشاء ذاتها يعتصرها اعتصاراً ،
و يقتلها قتلاً و يفقدها رغبتها فى الحياة !! ..
فما جدوى المبررات أمام هذا الشعور المميت ؟!!
و ما جدوى المبررات أمام الساعات الثقيلة بوحشيتها 
و وقعها الزاهق للنفس ؟!!
و نجد جوليان مور فى أداء رائع ، تجلس فى دورة المياه تخاطب زوجها من بعيد ، و هو سعيد بما قدمته له فى عيد ميلاده ، و يشكرها بكل جوارحه .. و لكن هى غير راضية ، غير راضية !!
و تبحث عن المبررات المنطقية لزوجها حتى تخبره بها ، فلا تجد !!
فتبكى فى صمت و حرقة و آلم 
و هى تردد جملة عبقرية بالمعنى الحرفى للكلمة 
" أتمنى لو استطيع الاختفاء !! " ..
من أجمل عبارات السيناريو و الحوار كانت هذه الجملة ..





أما سيدتنا الثالثة .. فى عام 2001 ..
" لقد رمقنى بتلك النظرة ، تلك النظرة التى يحدثنى فيها بأننى تافهة و أن حياتى تافهة !! "
هى .. كلاريسا فون ( ميريل ستريب ) ..
هى تلك المرأة التى تحاول جاهدة أن تخلق لحياتها هدف ، أن تخلق لحياتها معنى ..
فتحاول إعداد برامج و جداول و مواعيد و حفلات لتتخم بها حياتها ..
و لكن هل هذا يجدى فعلاً ؟!! 
و نرى ميريل ستريب فى أدائها الرائع دوماً ، تبكى فى مشهد من المشاهد دون سابق إنذار ،
و تستفيض فى البكاء ..
و فى مشهد آخر نجدها تحدث ابنتها بحوار فى منتهى الجمال ..
" لقد رمقنى بتلك النظرة ، تلك النظرة التى تحدثنى
بأننى تافهة و حياتى تافهة !!
مجرد أعمال يومية و جداول و تفاصيل !! .. كما تعلمين "



و تتعامل كل سيدة مع الأمر على طريقتها ..
منهن من قررت الاحتمال و منهن من نوت الانتحار و منهن من هربت من حياتها إلى حياة أخرى !!

وجدت السيناريو و الحوار قمة فى الروعة و الإبداع بحق ! .. 
شخصياً أراه من الروائع ..
و رشح النص لأهم جائزتين عالميتين عن أفضل سيناريو مقتبس ..
الأوسكار و البافتا ولكنه لم ينل أى منهما ..



الإخراج ..
ستيفين دالدرى ..



يخرج لنا معزوفة شاعرية عن مفهوم الساعات ، يخرج لنا ملحمة من المشاعر الإنسانية و العلاقات
الإنسانية بقوة و ترابط و تماسك رائعين .. يقدم لنما أداء تمثيلى جبار من أربعة عمالقة فى هذه الرائعة السينمائية ..
نيكول كيدمان - جوليان مور - ميريل ستريب - إيد هاريس ..
نجح ستيفن دالدرى فى صنع رائعة إنسانية سينمائية ستصبح من الكلاسيكيات دون جدال ..
و استطاع ببراعة أن يتنقل بين أحداث السيناريو
بحنكة و خبرة و خفة و رشاقة ..
و استغل كل مواطن القوة التى منحها له هذا السيناريو العظيم ..
هو من المخرجين القلائل فى السنوات الاخيرة .. القادرين على تصوير العلاقات الإنسانية بذلك الشكل البديع ..
و رشح ستيفن دالدرى عن رائعته تلك لأهم ثلاث جوائز عالمية للإخراج ..
الاوسكار و البافتا و الجولدن جلوب ،
و لكن لم يحالفه الحظ فى اقتناص أى منهم ..



التصوير ..
كانت كاميرا المبدع شيماس مجارفى رائعة جداً ..
و هو ذاته الرجل الذى أبدع فى تصوير الرائعة السينمائية الأخرى ..
" التكفير - Atonement "
كانت كاميرته فى فيلمنا هذا .. الساعات - The Hours ..
جميلة و هادئة و إنسيابية ..
و كان ناجح جداً فى اقتناص المناظر الخلابة المريحة للأعين و المناسبة تماماً - فى ذات الوقت - للحالة الشاعرية الكئيبة المقبضة السوداوية
بالفيلم .. أراه أدى مهمته على أكمل وجه ..



المونتاج ..
كان المونتاج رائعاً بحق .. 
و استطاع أن يتنقل بين قصص السيدات الثلاثة بسهولة و رشاقة ..
و استطاع أن يحافظ على الإيقاع اللاهث فى التنقل بين الاحداث ..
و ترشح المونتاج لعدد ليس بهين من الجوائز ..
أهمهم جائزة البافتا .. و لكنه لم ينالها ..



الأزياء ..
كانت الأزياء رائعة و التصاميم بديعة جداً و مناسبة تماماً لكل حقبة زمنية مختلفة فى أحداث الفيلم ،
و رشح الفيلم لأوسكار أفضل أزياء .. و لكنه لم ينالها ..



المكياج ..
كان أكثر من رائع بحق ..
للوهلة الأولى ، لن تستطع التعرف على نيكول كيدمان فى هذا الفيلم !!
المكياج جعلها إمرأة إنجليزية تماماً ،
و لن تتعرف على نيكول كيدمان سوى من عينيها فقط !!
و ترشح المكياج لجائزة البافتا التى لم ينالها ..



الموسيقى التصويرية ..
كانت بديعة جميلة رائعة ، مناسبة تماماً لأحداث النص و حالته الشاعرية الإنسانية ..
أبدع فيليب جلاس فى موسيقاه لهذا الفيلم ..
و نال جائزة البافتا عن موسيقاه الرائعة لهذا الفيلم ، 
و ترشح عنها للأوسكار و الجولدن جلوب ،
و لكنه لم ينالهما ..



الأداء التمثيلى .. 
و عن هذا سيطول الحديث ..



إد هاريس .. فى دور ريتشارد براون ..



كعادته ممثل بارع و متمكن و قدير .. يؤدى أداء ممتاز فى هذا الفيلم ..
و يترشح عنه للبافتا و الجولدن جلوب و لكنه لم ينالهما ..



ميريل ستريب .. فى درو كلاريسا فون ..


رائعة دوماً ، بديعة دوماً ..
المشهد الذى تبكى فيه دون سابق إنذار .. مشهد يجعلك تنقبض لمشاعرها 
يجعلك تحزن لما هى فيه و ما تشعر به ..
رشحت عن أدائها للجولدن جلوب و البافتا و لم تنل أى منهما ..



جوليان مور .. فى دور لورا براون ..


هى فى أداء من أفضل أداءتها على الإطلاق ، أداء أكثر من رائع ..
المشهد الذى تجلس فيه فى دورة المياه و تبكى و تتمنى الاختفاء ..
تخترقك فيه اختراقاً .. و طوال أحداث الفيلم كانت رائعة و مبدعة و ممتازة
فى تعبيرات وجهها و تقمص حالة الاكتئاب و حالة انعدام الرضا ..
و تتشرح عن أدائها للأوسكار و البافتا .. و لكنها لا تنالهما ..



نيكول كيدمان .. فى دور فيرجينيا وولف ..


باختصار ، نيكول كيدمان لم تكن نيكول كيدمان !!
شكلها و صوتها و هيئتها و روحها تغيروا تماماً و جذرياً فى هذا الدور !!
لتقدم أداء اعتقده الأفضل فى حياتها على الإطلاق - و قد يخالفنى كثيرون - و لكنها بالنسبة لى ..
أبدعت أيما إبداع ..
لقد أصبحت فيرجينا وولف فى كل ذرة من ذرات روحها قبل هيئتها !!
بلغت قمة التقمص و قمة روعة الأداء ..
تبكى و تصرخ فى مشهد فتنتزع الآهات من روحك ..
تبكى و تصرخ فى لقطة ، فتشعر بجرح ينزف فى داخلك و أنت تشاهدها ..
نيكول كيدمان فى رأيى قدمت أداءاً أكثر من عبقرى .. 
و لم أرى نيكول كيدمان فى لحظة واحدة
أو حتى لقطة واحدة من لقطات الفيلم ..
و السبب كان أدائها الرائع قبل أى شئ آخر ..
فتنال عن أدائها العبقرى هذا أوسكار مستحق ، و جائزة بافتا مستحقة و جائزة جولدن جلوب مستحقة دون جدال ..
نعم .. لقد جمعت الثلاث جوائز الأفضل و الاهم ..
لأنها قدمت أداء عبقرى بحق ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق