الجمعة، 7 فبراير 2014

"الأزرق أدفئ الألوان ، السينما أصدق الفنون"


مبدئيا فلنضع خط أحمر عريضا واضحا قبل الخوض في جذال عميق بسبب تيمة الفيلم، و لنتفق حول أن درجة إعجابك و تقبلك له منوطة بمدى تفتحكَ على ثقافة الأخر و إستقلاليته من جميع الأعراف الخلقية و الدينية و الإجتماعية، و لأننا ههنا نتحدث عن تيمة "الشذوذ الجنسي" - بالرغم من أن الفيلم أعظم من ذلك - فلابد أن نسأل أنفسنا قبل الحكم المسبق عليه أو حتى بعد مشاهدته : هل أنا على وئام مع فكرة ان السينما لها الحق في إستغلال أي فكرة و تقديمها تحت مسمى الفن الهادف ؟
إذا كانت إجابتك لهذا السؤال ب"نعم" فأهلا بك في أروع فيلم أجنبي شاهدته لهذه السنة أو لربما لسنوات عديدة، أما إذا لم تكن محبا لهذه النوعية من الافلام و المواضيع، فهذا الإنطباع لن يناسبك .



شهرة الفيلم سبقته، القيل و القال عنه حرك الفضول، حقيقة أن مخرجه و مؤلفه مسلم و عربي الجنسي أثارت حفيضتنا قبل رؤية مشهد منه، فآنى لمسلم أو عربي أن يقدم موضوعا شائكا كهذا تحت كاميرا أوربية و التي كما نعلم جميعا هي منبع الواقعية في السينما .
ولكن ما خطته أنامل التونسي "عبد اللطيف كشيش" فاق أي تصور مسبق وضعت لتجربته هذه قبل الإنغماس بها.
فالفيلم ليس عادي بالمرة، بل إنه لم يتبع نمطا سينمائيا محددا، هل هو واقعي ، أم فنتازي، هل الأفعال ههنا مبررة ؟ هل بالغ "عبد اللطيف" في الجشن و المشاعر الفياضة فقط لكي يظهر "الشواذ" بصورة إنسانية تجعلهم لا يختلفون عنا أم لعلهم أكثر منا إحساس و دفئا أم أن فئة المجتمع هذه بالفعل تمتلك هذا الكم الهائل المدمي من الحب في قلوبه و الدراما في حياتهم.
في البداية نتعرف على (آديل) المراهقة المثالية في كل شيء، التي يمكن لك أن تصفها كقطعة جليد تخشى إمساكها بيديك مخافة أن تذوب من فرط الرقة و البرائة ، نراها تهتم بكل من حولها و يهتم الاخرون بها ، و لكن هنالك شيء ما ناقص، فجوة سحيقة في عواطفها تحاول بشتى الطرق ملئها، و لكنها لا تعلم ماهيتها ؟ لا تعلم مالسر وراء عدم استمتاعها بمعاشرة فتى احلامها في الثانوية و لاتعلم لماذا تصببت عرقا و شبقا عندما تلاقت أعينها بأعين "إيما" لما لا يتعدى ثواني فحسب.
تكتشف مبكرا أنها تميل للجنس الاخر، ولكنها لا تمتلك اي فكرة حول مسببات ذلك، كل ما تعلمه انها تشعر بشيء مختلف ، أجل مختلف ولكنه ليس مؤقتا او غرا بسبب غرابة التجربة.
بل هنالك مشاعر صداقة شعرت بها للمرة الاولى فاضحت اكثر اشراقا و حميمية.
و سرعان ما تجد نصفها الاخر "إيما" لنجد نفسنا على حين غفلة قد انتقلنا من فيلم واقعي يوثق حياة "عاديل" الشبه يومية الى فنتازيا عشق و رقصة وله لامثيل لها من خلال لغة العيون و الجسد لكلا البطلتين بدون حوار يذكر في حديقة متطرفة ، لم يبخل فيها "عبد اللطيف" بوقته لكي ينقل لنا آلاف المشاعر الملتهبة و الاسئلة غير المجاوب عليها و الرغبات المكبوتة لدى كلا البطلتين لمعرفة سر انجذاب أحدهما للاخر.
لنعود للواقع من خلال علاقتهما الجنسية، في مشاهد ارها فجة ! لن اقول انه لم يكن لها داعي ولكني اعتبرها طويلة و محددة لدرجة منفرة ! فكما قلت بالنسبة لهذا النوع من العلاقات لغة العيون و الجسد اصدق من لقاء الجسد نفسه ! هذا أنا و هذه هي رؤيتي !
و كاي قصة حب أسطورية ملحمية ، سرعان ما سيأتي الشرير لكي يعكر صفو الأحبة؛ و يالقبح الشرير في فيلمنا هذا، إنه "الملل" ! بكل التعاسة و البعد السام الذي يندس مابين "آديل" و "إيما" ببطأ لكي يجعل إحداهما لا تستطيع مواكبة شغف الاخرى ، و مازاد الطين بلة هو لقاء "إيما" بحبها القديم لكي لا اراديا يشتعل فؤادها إشتياقا ، متناسية مدى حب و حاجة "آديل" لها، فما يكون من هذه الاخيرة سوى البحث عن علاقة عابرة مع زميل لها ، لاجل سد فراغ الوحدة. الشيء الذي ستكتشفه "إيما" بسرعة مما يؤدي لثورتها على "آديل" و رميها اياها في الشارع. في واحد من أفضل مشاهد الفيلم عامة !!
و هنا يتجدد السؤال : هل انهاء العلاقات العاطفية مع الحبيب، يمكنه ان يضع حدا لعشقنا له؟
هل الزمان كفيل بان ننسى ؟ بان نمضي قدما في حياتنا ؟ هل نحن بحاجة لهذا الشخص كي نتنفس و بغيره لا نستيطع العيش بل الأفضع أننا لا نستطيع الاحساس بالحياة و يضحى كل شيء بلا طعم ولا رائحة و لا "لون" !!
هذا بالتحديد جوهر الفيلم في نظري و هذا ما أوصلنا اليه "عبد اللطيف" بعد ساعتين من التمهيد ؛ لنرى كيف تأثرت "آديل" بفراق معشوقتها "أيما" ؛ و هل نسيت "إيما" مالذي شكلته "آديل" لها ؟!
كل ذلك في مشهد بسيط ، بساطة المقهى الذي جلستا به، لكي تتبادلا حديثاَ تأجل لمدة 3 سنوات من الفراق ! حول مدى تعاستهما وهن بعيدات عن بعضهما البعض، حول كيف اضحت الألوان الزاهية مجرد لون رمادي عقيم ؛ حول كيف ان الحياة باتت رتيبة تعيسة، و الأكثر قسوة من كل ذلك هو حديثهما حول كيف أنه لا يوجد مجال لاعادة المياه لمجاريها، و أن لدى "إيما" أسرة لايمكنها التخلي عنها مهمى اشتاقت لحضن و تواجد "آديل" بحياتها !
لتمضي الحياة و يتجدد اللقاء و ينغرس الخنجر أعمق و أعمق في قلبهما و هن يعلمن بالرغم من أنهن قد تحدين المجتمع و العرف و العالم باسره لكي يجدا بعضهما البعض و يبقيا في حضن بعض؛ إلا ان هنالك مايسمى بالواقع و الكبرياء و الخيانة و التي لا تمكنهما فقط من نسيان كل ماحدث و الرحيل بمنتهى البساطة للبدا بحياة جديدة !
لينتهي الفيلم و نحن نتسائل حقا: إذا لم تستطع "آديل" و "إيما" إنجاح علاقتهما هذه، فآنى لنا بأن نؤمن بالحب مجددا !!
و بالطبع هو إعتقاد خاطئ في نظري لانه من الممكن للحب أن يصنع المعجزات؛ و لكن لا يمكن لنا كذلك أن ننسى بأن "الواقع" لديه القدرة على إمساك تلك المعجزات و تحويلها لجحيم معاش قد يتسبب في جعلنا أموات و نحن على قيد الحياة ! لان الخط الفاصل مابين الحب و الواقع رفيع جدا لا يمكن له ان يرى.... حتى بالعيون الزرقاء !!

اداء Adèle Exarchopoulos لا ينتمي لأي مدرسة تلقينية أو أي موهبة ربانية شاهدتها من قبل !
لا يمكن أن أصف مدى إبداعها، لا يمكنني فعل ذلك حقا !!
شاهدو و احكمو بانفسكم !

الجميلة Léa Seydoux شكلت حالة فريدة من التوازن و التحرر الموازي لشخصية "آديل" نفسها مقدمة اداء جميلا جدا و لكن لربما سيجعلك تحكم على بعض تصرفاتها و تكره بعضها الأخر.

السيناريو عبقري بحق، سلس و راقي و بديع، لا يجعلك تشعر بطول فترة الفيلم و الاخراج كذلك جد موفق ماعدى في العديد من المشاهد الحميمية التي لاطائل منها !! الكاميرا انسيابية ناجحت في تصوير مئات المشاعر المتضاربة و الموسيقى جميلة جدا جدا ، بالرغم من انها هادئة لا تكاد تشعر بها .

ألا انه اجمالا الفيلم مذهل، عاطفي، درامي ، مبكي و يحمل الكثير و الكثير من الدفإ المفتقد في أوقاتنا هذه .... سيعجب البعض و سيكرهه البعض الاخر و لكن لا يمكن لاي احد سيشاهده أن لا يتأثر به ، و لا يلمس دفئ ألوانه قلبه لكي يجد نفسه لا ارادي يتفاعل مع "آديل" و قصة حبها الموؤدة !



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Fair Play 2023