الثلاثاء، 25 مارس 2014

12 Years a Slave (2013)


  الإخراج و الكتابة و التثمثيل و تقييمي




مراجعة بقلم : nourcinama

 اسم هذا الفيلم بات مألوفاً جداً هذا العام ومقروناً بلقب أفضل انتاجات السينما لعام 2013، هو فعلاً تجربة تستحق التقدير والوقوف عندها، فستيف مكوين في عمله الثالث صنع قائمة تشاندلار أفلام العبيد، ففيلمه الذي يأتي ضمن الموجة السائدة في السنوات الأخيرة التي تشرح معاناة الأمريكيين الأفارقة يقتحم بجرأة وبقسوة مفرطة عالم الرق والنخاسة، يقدم تصوير مؤلم وعاطفي وواقعي جداً لمعنى العبودية ومعانات العبيد في مرحلة ماقبل الحرب الأهلية ضمن قصة مذهلة مقتبسة عن واقعة حقيقية موثقة.

القصة عن سالمون نورثوب (شوايتيل اجيفور) عازف كمان أسود حر بالولادة متزوج وأب لطفلين ، يتعرض للاختطاف على يد عصابة بيض في الشمال ويباع في سوق النخاسة في الجنوب ويقضي أثني عشر سنة من حياة العبودية والذل في مزارع القطن تحت اسم بلات، مكوين في عمله الثالث لايبدو فقط إنه نضج بل حقق تقدماً ملحوظاً وتطوراً مبهراً باستخدامه لأدواته وإدارته للممثلين وسرده للقصة ونقل الحالة للمشاهد والتفاعل بينه وبين مايراه، يهتم بتقديم الصورة وإقحام المشاهد في الحالة بالتركيز على الحدث وإنفعالات ممثليه أكثر من الاعتماد على الحوار، العمل فيه غياب للحوار لفترات طويلة والتركيز على لغة الصورة والتمثيل والمونتاج والموسيقى، هو عبارة عن لقطات مصنوعة بشكل ممتاز ومرتبة بطريقة رائعة لتحصل على سرد مبهر لحكاية مؤلمة وقاسية جداً وشديدة التأثير.
اعترف إنه في المشاهدة الأولى لم يرضني العمل بالكامل ولم اعطه حق قدره، كتبت عنه مراجعة بحثت فيها عن العيوب وبالغت بها وضخمتها وربما ابتدعت بعضها رغم اعترافي بوجود جوانب ايجابية عديدة فيه ، ربما المبالغة بمدحه منذ بداية الموسم – كما جرى العام الماضي مع فيلم ارغو متوسط المستوى – صنعت عندي تاثيراً معاكساً عند المشاهدة – حالة أصابتني مرتين بفيلمي جبل بروكباك والراحل – بالأخص مع حالة ملل اصابتني من كثافة عرض أفلام السود والعنصرية في السنوات الأخيرة – منذ تولي أوباما الرئاسة - والمبالغة بتكريم بعضها – الجانب الأعمى وبريشوس والمساعدة مثالاً – ولكن بقي في هذا العمل شيء يغريني لإعادة مشاهدته، شيء من تأنيب الضمير حوله، أعدت مشاهدته بعد أسبوعين من المشاهده الأولى متحرراً من كل الدعاية وكل الأحكام المسبقة ووضعت نفسي أمام فيلم آخر جديد، شاهدته بحيادية مطلقة، والنتيجة اختفاء أغلب سلبياته بالنسبة لي ومشاهدة ايجابيات أخرى لم أرها مسبقاً، اكتشفت إني أمام واحداً من أفضل الأفلام الدرامية الأمريكية الحديثة، عمل من طينة لورانس العرب وذهب مع الريح و العرّاب وباري ليندون و أماديوس و قائمة تشاندلار وبقايا النهار وجبل بروكباك وخطاب الملك، الأعمال الدرامية الملحمية التي تغرقك بشلال من العظمة الفنية والبصرية والإخراجية بكل جوانبها مع عظمة بالفكرة المقدمة ومعالجتها وأهميتها تجعلك تحتار من أين ستبدأ بمدحها، لذلك أعدت تقييمه وأعدت كتابة المراجعة عن عمل بإمكاني أن أجزم إنه فيلم عام 2013 الحقيقي.
منذ المشهد الأول تعد نفسك بعمل مميز ، لقطة لمجموعة من العبيد تتعلم حصاد الشوندر تبدو هاربة من لقطة توثيقية وشديدة الحقيقية من الصعب فيها تمييز نجم العمل أجيفور بين الكومبارس – وهي لقطة ستتكرر طويلاً في العمل – ثم استمرار البداية بمشاهد مرتبة بمونتاج بغاية الأناقة والدقة بتصوير بؤس حياة العبيد – ومعاناة الشخصية الرئيسية سولومون نورثوب – التي تكاد توازي حياة الحيوانات وقطعها لتصوير شكل حياة سولومون قبل العبودية وإشعارنا بمدى المآىساة التي يعيشها وشوقه لحياته السابقة شوقه للإنسانية الضائعة المخنوقة هنا، يحاول اختراع قلم وحبر وكتابة رسالة ولكن حين يكون الإنسان يعيش بمرتبة الحيوان تكون الكتابة مهمة مستحيلة عليه.
يبدأ العمل بحفل راقص للبيض يعزف فيه سولومون الكمان ويتم تصويره كشخص أسود معترف به ووجوده يحظى بالإقبال والمحبة بين البيض، يتم اختطافه بحجة ذهابه للعمل كعازف موسيقي في سيرك وما أن يتم اختطافه حتى يصيح (أنا حرّ وأملك أوراق رسمية تثبت ذلك) مشهد يجعلك تتسائل إلى أي مدى يكون الإنسان حراً حين يحتاج لأوراق رسمية تثبت ذلك يكفي ضياعها أو تمزيقها حتى يصبح زنجي هارب من جورجيا!؟ هل كان فعلاً سولومون أو أي أسود حر في تلك الفترة حراً فعلاً أم عبد بلا سيد؟! هذه الأفكار تراود سولومون منذ بداية عبوديته وهو يستعيد ذكرياته عن عبيد سود كانوا يعيشون بينهم ينظر إليهم بعدم الاكتراث ويواجه النظرات العنصرية من اسيادهم دون اهتمام وهو يعتقد إنه ناج من القيد، دون أن يدرك إنه باي لحظة معرض هو وزوجته وأطفاله لهذه الكارثة، في سنوات عبوديته يدرك إنه لم يكن يوماً حراً ، حين يعود ليعزف الكمان في حفل لدى سيده الأبيض يستعيد الذكريات عن عزفه في الحفل السابق والاحتفاء الكاذب الذي يلقاه شخص أسود بين البيض، أدرك كم هو أحساس سخيف أن يشعر بالفرح لمجرد تقبله في هذا المجتمع العنصري الذي مهمى ارتقى فيه سيبقى مستواه في نظرهم محصوراً في إطار حيوان يتكلم مثل البشر، كائن ملعون كافر خلقه الله لخدمة الإنسان الأبيض، وسيلة خدمة وترفيه تتميز بالأحساس، يحطم الكمان ويتجه للفرصة الأخيرى المتاحة أمامه لحريته، وحين يعود إلى عائلته ويحمل حفيده يقول لهم : (أنا أسف) ليس أسفاً فقط على غيابه عنهم، بل أسف لأنه جعلهم طوال سنين حياتهم يعيشون مهددين بالرق والذل دون أن يتخذ موقف أو يقوم بعمل ما ويكتفي بنعيم الحرية المشروطة بورق.
ما أن يخطف سولمون حتى يتعرض للجلد والضرب بقسوة مفرطة حرص مكوين على تصويرها بمنتهى الواقعية ليبني عليها سبب استكانة سولومون – والسود عموماً – لمصيرهم الذليل بعد أن يحطم جلادوه كل عزيمة ورغبة في المقاومة وتنحصر أسمى طموحاته بإرادة العيش فقط بلا جلد، أثناء نقله من نيويورك إلى الجنوب يجلس مع اثنين الأول يقترح المقاومة للنجاة والثاني يقرر الاستكانة حتى يعثر على فرصة للعودة حراً، الأول يقتل والثاني ينجو ويعود حراً كإشارة من القدر للدرب الذي يجب أن يسلكه في رحلته اللاحقة، ويتأكد من ذلك حين تتاح له فرصة جديدة للهرب فيلتقي صدفة بمزارعين يشنقون عبيد سود فيعود مرتعشاً من الخوف على المصير الذي قد يلاقيه، ولكن حين يتوفى العجوز الأسود بينهم بطريقة عبثية ساخرة يرى فيه المصير الذي قد ينتظره في حال لم ينجو ، وهنا يبدو العمل مبهراً بالفكرة التي يقدمها عن الثمن الذي يدفعه الإنسان للحصول على حريته، إصراره على النجاة بحياته وتمسكه بها ولو كانت كريهة ومذلة ويحيط بها الموت من أجل فرصة شبه معدومة للحرية، الإحساس بالأمل الذي يتضائل والتمسك بأخر خيوطه حتى العودة ، الفيلم ينجح بإشعار الإنسان بقيمة الحرية وضروريتها وبتصوير النزاع الصعب حين يقع الإنسان بين خيارين أن يتمسك بالحياة ولو كانت ذليلة أو ينشد الحرية ولو دفع حياته ثمناً لذلك ، فبطل الفيلم يحاول قدر المستطاع أن يحافظ على تماسكه ويتحمل كل المذلة من أجل فرصة ضئيلة للعودة لعائلته رغم إنه يشرف على الموت عشرات المرات وهو الخلاص الوحيد له مما يعانيه ولكن الرغبة بأن يعيش حراً تدفعه للتحمل وطرق كل الأبواب حتى ينجو ، والكثير من الشخصيات بالعمل تنشد حريتها والخلاص من الذل أو التخفيف منه بشتى الاساليب المتاحة أمامها مهما كانت قاسية وغير إنسانية حتى لو تحولت المرأة إلى عاهرة أو وقف الرجل ضد بني جنسه، وحين ينجو سولومون يهرب ولا يعطي من قاسمهم الحياة والذل سوى نظرة إشفاق ووداع ورثاء وندم، هو يشعر بأحساسهم فقد عاشه مسبقاً ولكن لا يستطيع فعل شيء، يشعر بأنه أناني بعض الشيء حين يرضى أن يعود حراً لوحده ويتركهم في جحيم العبودية ولكن لا حر آخر امامه، رغم إننا نعلم في نهاية العمل إنه اصبح من أشد ناشطي القضاء على العبودية.
يدخل العمل مع سولومون سوق النخاسة ويصوره مكوين لنا بطريقة صادمة لحجم المهانة التي يصل فيها الإنسان ليس فقط حين يتحول إلى سلعة يباع ويعرض كما يعرض البهيمة، عارياً من كل شيء أو يستعرض مواهبه كقرد مدرب، بل حين يرضى الإنسان أن يكون بائعاً لبني جنسه أو مشترياً له، يصدمني مكوين حين يصور لنا شخص ممزوج العرق يدخل في البداية ليشتري دون إكتراث إنه يحمل في داخله دماء سوداء، ثم كيف يفرق بين عائلة واحدة بمنتهى الوحشية وكيف يضرب تاجر النخاسة – بول جيماتي في أداء قصير جداً ووممتاز تمنيت له حضوراً أطول- بضاعته كأنه يهش خرفان، في هذا المشهد – والعديد من المشاهد الأخرى – هناك جهد واضح بذله مكوين على أداء الممثلين الثانويين ولو كان ظهورهم في لقطة واحدة، يجعلهم في مشهد واحد أبطال في عمله ويصنعون انطباع لا ينسى كنظرة العبدة العارية في السوق رغم إنها لم تستمر سوى ثانية، أو صور العبيد المشوهين، العبدة التي توزع الحلوى في بيت أبيس وطريقة مشيها، العبدة العجوز التي تغني الرقص مع الهنود الحمر في إشارة لمآساة أخرى في أمريكا.
سولومون يقع تحت يد فورد – بنديكت كامبربيتش – سيد جيد يقوم بدوره التبشيري بتعليم العبيد السود الدين ونقل رسالة الرب لهم ، يحاول سولومون أن يظهر له مواهبه فربما يستطيع التأثير به ولكن معاملته له لا تتعدى معاملة حيوان اليف، هو يدرك إنه مميز وهذا ليس مكانه ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيء له وأن يتحدى الاتجاه السائد، يعمل سولومون تحت إشراف شاب أبيض نحيل – بول دانو – يشعر برجولته وتفوقه حين يبالغ بإذلال العبيد يبدأ اللقاء معهم بتعليمهم أغنية مهينة عن الزنوج ومصير الهارب والسارق منهم للمغالة بتحطيم نفسيتهم، يتشاجر معه سولومون ويضربه فيحاول شنقه ولكن سيده يخلصه لسبب واحد إنه مربتط برهن مالي عليه، ورغم إنقاذه يتركه معلقاً على حبل المشنقة بين الحياة والموت والجميع يدور حوله دون أن يلجأ أحد على مساعدته حتى سيدته المتعاطفة مع السود إلى حد ما لا تكترث له، فهما كان العبد مقرباً من السيد فيجب معاقبته حين يتعدى على الأبيض.
مكوين يقدم بعمله تصوير ممتاز لعقلية السيد الأبيض ، البيض يتعاملون مع السود بكل بساطة على إنهم من أملاكهم يحق لهم فعل بهم ما يشاؤون ، بالنسبة للبيض السود لا يختلفون عن الحيوانات هم أدنى منهم بسبب لون بشرتهم وأشكالهم عدا وجود الفكرة الدينية إن السود كفار وملعونين وهم يجلدونهم كما يضربون حيواناتهم لأجل أن يستمروا بالعمل ولا يتوقفوا ولكي لا يتمردوا عليهم فيسرقوهم أو يقتلونهم ولتستمر سيادتهم على المزارع – عدا وجود بعض الأفكار الخاصة والعقد النفسية لدى البيض التي تجعلهم يبالغون بالعنف - فمهما كان السيد الأبيض جيداً ولكن جلده للعبد جزء من عمله يجب أن يمارسه وهو حق له، فرغم أن فورد يبدو سيداً جيداً ولكنه لا يمانع القسوة مع العبيد وهو نفسه يقوم بالجلد إذاازعجه أحد السود ولم يلتزم بعمله – كضربه لأليزا التي لم تتوقف عن البكاء بعد تفريقها عن ولديها –
فورد يبيع سولومون لإيبس – مايكل فاسبندر – سيد أبيض طاغية وشديد القسوة ، ظهوره الأول مبهر جداً يتلو القوانين المذلة على السود بطريقة بطيئة ومتأنية وكأنه يقرأ لأطفال صغار العقول، يجعلهم يعملون بحلج القطن بيديهم العارية ويجلد بقسوة من لا يحقق له محصول يرضيه، تربطه علاقة غريبة بباتسي - ليونيلا نايونغو – يهواها ويعالمها كمحظية لديه ولكنه مع ذلك لا يتوانى عن ضربها وجلدها وإذلالها وإذاقتها العذاب إرضاءً لزوجته التي تحرضه على القسوة وإلا سيتمادى العبيد عليه وعلى بني جنسه ويقتلونهم نياماً، إيبس متدين وسكير يعتقد إن الله منحه حقاً على العبيد (الكفار) ليعاملهم بهذه الوحشية ويحملهم مسؤولية إتلاف محاصيلهم بسبب فسقهم فيغالي بعقابهم وجلدهم.
مكوين أبهرني بهذا العمل بموازنته بين المعاناة الخاصة لبطله والقضية العاملة التي يقدمها، نجاح فيلمه يدين بالكثير لنجمه شوايتال اجيفور بالأداء العظيم الذي يقدمه من كبت وعدم تصديق وخوف مستمر وأمل ميت وشوق جارف يبدع بتصوير إنسان انتقل بين ليلة وضحاها من السماء إلى الأرض دون أن يكون قادراً على تصديق ذلك أو استيعابه أو قبوله ويجبر ليس فقط على إنكار هويته وعائلته وماضيه ومواهبه بل أن يتعامل معها على إنها جريمة يجب إخفائها مع حالة من تأنيب الضمير الناشئة عن وسط هذه الأزمة عن رؤيته طوال عمره لحالة العبودية وعدم اتخاذ أي موقف اتجاهها هو يقدم أحد أفضل شخصيات السينما الحديثة، انفعالاته ونظراته وصرخاته وملامحه ينجحان بصنع صيغة أدائية ممتازة جداً وعلى درجة عالية من التأثير.
الطاقم التمثيلي في العمل أكثر من ممتاز، مكوين لم يهتم فقد بأداء الشخصيات الثانوية بل إنه أولى اهتماماً خاصاً بالشخصيات الرئيسية بناءً وأداءً، لكل شخصية دوافعها وأفكارها الخاصة، النخاس له دافع الربح، النجار الشاب له عقدة الضعف والرغبة بالتفوق فورد يحظى ببناء جيد كشخصية تساير زمنها ولا تجرأ على التغيير، وأحد أفضل الشخصيات شخصية ايبس و مايكل فاسبندر بأدائه لها يجتهد ليكون أسطورة التمثيل القادمة في تعاونه الثالث مع مكوين ممتاز بأدائه الإنفعالي المجنون المتناقض المضطرب السكير غير المتوقع تشعر أحياناً أنه دي لويس آخر، في العمل نتعرف على آرمتسبي عبد أبيض – في معلومة نادرة يقدمها العمل إنه حتى البيض كان يمكن أن يتحولوا لعبيد – ويقول إنه كان مشرفاً على العبيد ولكن الكحول دمرت حياته، الأرباح التي كان يجنيها كانت تذهب لملاك المزارع ، وإنه حين تقوم بجلد الإنسان كل يوم فإنك تقتل جزءً من نفسك وتلجأ إلى مختلف الطرق لتنسى ذلك وتبرر لنفسك بما فيها الخمر، فاسبندر يعتمد على هذه الشخصية لتفسير شخصيته وبناء أدائه، هو يبدو يحتضر من الداخل مع مغالاته بتعذيب السود ولكنه لا يستطيع التوقف رغبته بالظهور بالشكل القوي أفكاره الدينية يدفعانه للاستمرار لدرجة أصبح بها مدمناً على الجلد يكره ما يقوم به ولكنه لا يستطيع التوقف ، تختفي باتسي فيعتقد إنها هربت لا يقوم بشيء اتجاه ذلك سوى الغضب ولكنه يبدو سعيداً لهربها وخلاصها، و حين تعود يصليها العذاب، لا يقوم هو بجلدها في البداية يطلب من سولومون ذلك بدايةً ولكنه يرفض فيقوم هو بجلدها وحين يفعل ذلك يبدو وكأنه يعاقب نفسه وكأن الأمر بغاية الصعوبة عليه ولكنه لا يجرأ أمام عيون زوجته وعبيده التراجع.
ليونيلا نايونغو تقدم أداءً عظيماً جداً بشخصية باتسي ، يقدم لها مكوين منذ المشهد الأول بإبداع وهي تصنع العرائس من القش، فتاة صغيرة بريئة تعيش بظروف مذلة، تربت على السرعة بحلج القطن حتى تنجو من الجلد ولكنها وقعت تحت هوى نزوات سيدها المجنون ، نايونغو تبدع بتقديم القهر والذل والمعاناة وهي تهان باستمرار من سيدتها على ذنب لا دخل لها فيه، وهي تتعرض للاغتصاب باستمرار وتقتل الإنسانية بداخلها، هي تريد الموت تتوسل سولومون ليقتلها، ولكنه لا يجرأ على ذلك، وبعد جلدها وإهانتها على يد ايبس تنظر إلى سولومون بعين اللوم ليس لأنه جلدها بل لأنه لم يلبي رغبتها بقتلها، صراخها بوجه ايبس حين يتهمها بالهرب وتعبيرها عن معاناتها من الوساخة، أو حين تتوسل لسولومون قتلها مشاهد لا يمكن نسيانها وعدم التأثر بها .
براد بيت يظهر في ختام العمل ككندي متدين رافض للعبودية ويحمل الخلاص لسولومون ، هو ليس فقط مساهمة بنجاح الفيلم من النجم الهوليوودي منتج العمل الذي نال عن عمله هذا الترشيح الخامس للأوسكار – الثاني كمنتج – بل في شخصيته أيضاً تعبير عن الكثير من أفكار العمل حول العبودية ومضارها، تقديم لواقع أمريكا على مشارف الحرب الأهلية وازدياد النزعة الرافضة للرق فيها بين البيض.
مكوين يصنع تحفة فنية حقيقية، هو مبدع بأدنى وأقل تفاصيله، قسوته وجرأته بتصوير مشاهد التعذيب لا يمكن تخيلها، قدرته على صنع عاطفة عظيمة بالعمل دون مبالغة ، اهتمامه بتفاصيل الشخصيات أشكالها ندوبها آثار العمل المضني والشمس الحارقة على الأيدي والأرجل والوجه ، المكياج في العمل رائع، تفاصيل البيوت والآلات ممتاز، وجهده على تعليم ممثليه الحرف التي يمارسونها واتقانهم لها أعطى للعمل مصداقية رائعة، التصوير بالعمل مبهر جداً مع قسوته ولكنه يعطي لوحات طبيعية جمالية جداً ويتفنن بالإضاءة والظلال ، المونتاج أفضل شيء بالعمل أنيق ويقوم بدور مبهر جداً بالسرد والتنقل بين الحاضر والماضي وصنع التأثير المطلوب للأحداث، موسيقى هانز زيمر باعتماده على ثيمة موسيقاه في انسيبشن صنع مقطوعة موسيقى رائعة وحزينة جداً بالعمل، مكوين ينجح بعمله ليس فقط بأن يقدم وجبة سينمائية درامية عظيمة بل  يجعل المشاهد يخرج وهو يلمس بعمق معنى الحرية وأهميتها بشكل لم يعتد التفكير فيه مسبقاً وهنا تكمن قيمة العمل الحقيقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق