الثلاثاء، 25 مارس 2014

Dallas Buyers Club (2013)


 الإخراج و الكتابة و التثمثيل و تقييمي




الكاتب: عبيد التميمي

لا يوجد موضوع سينمائي خصب مثل الموت. دعونا لا نحصر ذلك حول السينما فقط، بل الكتابة بشكل عام، أنت حينما تكتب عن الموت تكتب عن شيء طبيعي يحدث يوميًا في جميع أنحاء العالم، تكتب عن شيء عميق وبسيط وغامض في نفس الوقت. هناك شيء إضافي، حينما تقرر أن تجعل الموت ضمن مواضيع نصّك، فأنت أمام عدة خيارات للاقتراب من الموضوع، فأنت تستطيع قتل شخصية في البداية لترى تأثير موتها على باقي الشخصيات وكيف ستتأقلم معه، بل وتستطيع بناء النص بالكامل على هذه الحادثة. أيضًا تستطيع أن تجعل الشخصيات في خطر دائم من الموت بدون علمهم بذلك، تاركًا القلق للقارئ أو المشاهد. أو في حالات أخرى؛ أن تفرض الموت على شخصيات العمل من البداية وترى كيف تتقبل هذا الأمر، في حالة فيلم دالاس بايرز كلوب كان هذا هو محور الفيلم الأساسي، في الثمانينيات حين كان مرض الأيدز لا يزال جديدًا على الساحة الطبية والبشرية عمومًا يصاب بطل الفيلم بفيروس نقص المناعة ونشاهد مقاومته للمرض واستعداده لفعل أي شيء تقريبًا للنجاة.

رون وودروف يعشق الحياة، كان هذا واضحًا منذ البداية من خلال الجنس والمخدرات والمراهنات وبالطبع ركوب الثيران، ولذلك تحديدًا كان هو الشخص المناسب من أجل القتال لحياته. رون يحاول الاستمتاع بحياته قدر المستطاع، وبرغم أسلوب حياته الغير صحي على الإطلاق إلا أنه لم يتوقع أبدًا أن يصاب بمرض الايدز لأن في البداية كان شائعًا أن المرض ينتقل بسبب الشذوذ الجنسي فقط. لم يستغرق الفيلم وقتًا طويلًا ليعطي ماثيو ماكهوني الساحة بشكل كامل ليفرد عضلاته، ماثيو قدم أفضل أدواره ولعل أول ما يجعلك تجزم بهذا الأمر هو مشهده الأول في المستشفى حين يتلقى الخبر، ينفجر رون غاضبًا في وجه الأطباء ويذهب ليحتفل في منزله متجاهلًا هذا الأمر الجدي للغاية، وبعد أن يدرك أن صحته في تدهور يذهب للمكتبة ويبحث في الموضوع محاولًا استغلال الوقت الثمين الذي بين يديه.

الموت له تأثيره على الأشخاص، الموت يغيّر الناس ويظهر وجوههم الحقيقية أحيانًا، شخص مثل رون وبعد أول عدة مشاهد من الفيلم سيكون من الصعب التصديق أنه سيرتدي النظارة الطبية ويذهب للمكتبة ليستغرق وقتًا في البحث بين الكتب والمقالات لإيجاد الحقيقة ولإيجاد حل لمشكلته. نعم، الموت يغير الأشخاص، رون الذي قبل علمه بإصابته بالمرض كان شخصًا أنانيًا نوعًا ما، ملذاته الدنيوية هي أهم ما لديه، نشاهد لاحقًا رون وهو يكافح لعلاج الناس المصابين بالإيدز وتقديم يد العون لهم بأي شكل من الأشكال. من الأمثلة على التغير التي حدثت أيضًا، رون في بداية الفيلم كان يكره جميع المثليين ويتقزز منهم، فهو حينما علم أنه مصاب بالمرض نفى حتى معرفته بأحد المثليين، وفي أول مرة يذهب لمجموعة مساندة كاد ينفجر غاضبًا لمجرد أن مثلي لمس كتفيه وتحدث معه. لكن بعد لقاءه بالمثلي الآخر رايون  وبرغم بداية العلاقة بشكل مشحون لكنهما أصبحا صديقين وأصبح رون يفخر بهذه الصداقة وهذا ما ظهر في مشهد السوبر ماركت حينما دافع عن رايون صديقه الجديد أمام أعز أصدقائه القدامى تي جي بل وأجبره على أن يصافحه في أحد أقوى مشاهد ماثيو في هذا الفيلم.

هناك تقلبات في شخصية رون، فعلى سبيل المثال في مشهده داخل مكتب الدكتورة إيف (جينفر قارنر) يتجلى ضعفه، بل يتجلى ضعف الإنسان أمام المرض وكيفية استطاعتنا لفعل أي شيء تقريبًا لنبقى أصحّاء، تُغلق جميع الخيارات في وجه رون وتعرض عليه الدكتورة خيار مجموعات المساندة للمصابين بهذا المرض، ليأتي الرد المؤلم من رون :”أنا احتضر، وأنتِ تقولين لي أن احتضن مجموعة من الشواذ؟” ماثيو ماكهوني قال هذه الكلمات وكأنها آخر كلمات سيقولها في حياته. لنكمل الحديث عن التقلبات في شخصيته، بعد هذا المشهد يذهب رون لملاقاة أصدقائه في الحانة وهو يحاول بأقصى ما لديه أن يظهر كالشخص القوي الغير متأثر بالمرض، بعد أن كان قبل لحظات يتوسل إيف لمساعدته وتوفير العلاج له.

لابد من الإشادة بأذكى مشاهد الفيلم، المشهد الذي خدعنا، رون يصلي ويتوسل ربه والأجواء توهمنا جميعًا أنه داخل كنيسة، وكل ما يدور في ذهننا أنه أصبح يذهب إلى الكنيسة ويدعو ربه، ولم لا قد يتدين، لحظات حتى ندرك أنه في ملهى تعري وأنه أبعد ما يكون عن الكنيسة أو التدين. وبما أننا نشيد بمشاهد الفيلم، فلابد أن أيضًا أن نشيد بمشهد انهيار رون قبل وصوله إلى المكسيك، انفجار مشاعر الخوف والسخط والحزن والوحدة، كان بلا شك مشهد فاجع.

المكسيك كانت هي نقطة تحول القصة في الفيلم ومن بعدها بدأ رون بممارسة تجارته، نقطة التحول الثانية هي الشراكة مع رايون، بمجرد وصول الفيلم إلى تلك المرحلة فتقريبًا هو وصل إلى مرحلة المد والجزر بين تجارة رون ورايون الغير قانونية والتي في نفس الوقت تساعد الكثير من المرضى، وبين الحكومة متلخصة في عدة جهات حكومية. حالة المد والجزر هذه ولّدت لنا أحد أجمل الصداقات والثنائيات السينمائية لهذا العام، رون ورايون أو ماثيو ماكهوني وجاريد ليتو حجزوا مقاعدهم بشكل حتمي في أغلب المحافل، ليس ترشيح فقط بل بهذا الأداء هم منافسون بقوة على كل جائزة يترشحون لها. جاريد ليتو يقدم دور العمر، مشهد لقائه مع والده كان كمالًا سينمائيًا بكل تأكيد، فأن تُغيّر ما اخترت أن تكون ماهيتك وتتوسل للشخص الذي تبرّأ منك من أجل المساعدة فهذا موقف مذل للغاية، وجاريد تألق في هذا المشهد، ولا داعي لذكر المشهد اللاحق له حينما جلس رايون أمام المرآة متحدثًا مع ربه في مشهد مؤلم آخر، وبالطبع مشهد العناق بين رون ورايون بعد ما وفر رايون النقود اللازمة، أو حتى مشهد رايون مع حبيبه حين أصبح يسعل دمًا وقال بصوت يهز الكيان :”لا أريد أن أموت!”. بكل أمانة كنت أظن أن مايكل فاسبندر هو المستحق الوحيد لأي جائزة في تصنيف أفضل ممثل مساعد عن دوره العظيم في 12Years a Slave، لكن بعد النظر يبدو أن جاريد ليتو لا يقل قيمة عن فاسبندر.

الفيلم في أواخره كان موجعًا فعلًا، موت رايون وتأثيره الفادح على رون، اهتزاز تجارة رون بشكل كبير وخسارته للقضية أيضًا، بل حتى قراره ببيع الكاديلاك سيارته المحبوبة، لا ننسى مشهده مع المتعرية ومع الدكتورة ايف بعد وفاة رايون، أيضًا أحد أقسى مشاهد الفيلم حينما أصبح رون هائمًا على وجهه في الشارع ولا يبدو أنه واعٍ بنفسه أو بما يدور حوله. بالنسبة لترشيحات الفيلم فحصوله على جائزتي أفضل ممثل وأفضل ممثل مساعد سيكون أمرًا مستحقًا بلا شك، في الحقيقة إن ماثيو ماكهوني وجاريد ليتو فازا بعدة جوائز حتى الآن. وحتى إن حالف الفيلم الحظ وترشح لجائزة أفضل فيلم في الأوسكار فأرى أن حظوظه قوية في الفوز.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق