الاثنين، 24 مارس 2014

"Pieta (2012) - Directed By "Kim Ki-duk



ليس هنالك إنسان خال من المشاعر أو إنسان خلق على أنه مجرم هنالك دائما وأبداً سبب ودافع، فهو كما يستقبل يرسل استقبل الحب حتما سيرسل الحب استقبل الكره حتما سيرسل الكره لذلك جميعنا أبرياء في الصغر، وجميعنا أطفال بالنسبة لأمهاتنا -يظل الرجل طفلاً حتى تموت أمه، فإذا ماتت شاخ فجأة- فمهما كبرت وزاد من شأنك فأنت طفل أمك وستبقى كذلك ومن هذه النقطة أبدء بالفيلم الذي يتحدث عن شاب عمله جمع قروض من الناس الأبرياء ومن لا يدفع له في الوقت المحدد يقوم بعطبه وأذيته حيث يصبح عاجزا لكي تتولى شركة التأمين دفع المبلغ عنه، هذا الشاب يملك أو بالأحرى امتلك جميع الصفات السيئة والسلبية والقذرة والوحشية ويظهر ذلك جليا منذ بداية الفيلم عندما نرى منزله القذر الذي يعيش به وقذفه للسكاكين على صورة فتاة عارية معلقة على الجدار وتعامله الوحشي مع الناس حتى أصبح رمز من رموز الخوف عندهم...تمضي أحداث الفيلم إلى أن تقتحم حياته امرأة تقول له بأنها أمه وهي نادمة على هجرها له ومن الطبيعي أن يرفضها ويعاملها بكل سوء ووحشية في البداية فهو لا يعرف معنى للأم ولم يهتم لأمره أحد من قبل مما جعله مجرد من الإنسانية...



جسد كيم كي دوك هذا التجريد بجرأة ومجازفة رهيبة عندما أضاف للفيلم مشهد سوداوي مؤذي للعين وربما لم تعرف له السينما مثيل وهو عندما اعتدى الشاب على جسد الأم ليتأكد بأنها أمه قائلا لها "من هنا أتيت وإلى هنا سأعود"
اللؤم الذي كان يتلقاه من رئيسه في العمل (الشخص الوحيد الذي يتواصل معه) من ضرب وإهانة يعطي واحدا من الدوافع لأفعاله فهو يتلقى اللؤم والضرب ليذهب به ويلقيه على الناس ليؤلمهم ويفجعهم ويخيفهم وهو الذي لم يعرف الخوف والألم يوما ما، إلى أن تعرف عن طريق أمه إلى شيء يدعى الإنسانية والمشاعر والإحساس والضمير، شعر بكل ما ارتكبه من جرائم وأقلع عن عمله، ليتحول الوحش عديم الإنسانية الذي لا يهتم للآخرين وأوجاعهم إلى طفل بريء يهرع وراء أمه خائفا فقدانها لكن هذا لم يمنع الأم من معاقبة نفسها وتلقينه أهم درس في حياته كلها، هذه كانت الفكرة مكتوبة على الورق، أنت الآن تقرأها وربما ستقول حسنا فكرة جميلة، ماذا عندما تشاهدها على الشاشة؟؟ ستشهد معي بعبقرية سينمائية نادرة جدا في هذه الأيام
كيم كي دوك الكاتب والمخرج واحد من أفضل من يكتب ويحسن نقل ماكتب إلى الشاشة بهذا الإنتاج غير الضخم في عصرنا هذا
فهو ينقل قصته بصورة سوداوية وحشية دموية (معهودة في السينما الكورية) تحتوي على مشاهد عنف كانت أقرب إلى الحقيقة بواقعيتها..
وعن طريق هذه الصورة يعرف لنا مايلي:
المشاعر، أتى بها من حيث لاوجود لها، أنت ربما لا تتذكر بشكل جازم كيف بدأت مشاعرك وتشكلت عندما كنت صغيرا وأجزم بأنها تشكلت على يد أمك، ليس على يد فتاة تعرفت عليها في سن المراهقة وأبديت لها من المشاعر ما أبديت، لهذا السبب اختار المخرج أقوى علاقة بين البشر وهي بين الأم والطفل كعامل أساسي في هذا التعريف
الظلم، الذي تعاني منه طبقة كبيرة من المجتمع الكوري وسلط الضوء على الحياة الساذجة التي يعيشوها داخل مجتمع إصطناعي مصطنع فهو يحمل الكاميرا ويتنقل بها خلال فيلمه بالكامل بين آلات اصطناعية وأجواء تبتعد عن الطبيعة وهذا ما أزاد من سوداوية وحقيقة الصورة التي قدمها
الضمير، عندما يبدأ بالتشكل من العدم الذي يولد الإحساس بالآخرين بسلبيته في بداية الفيلم وإيجابيته في النهاية والطريقة التي يخلق بها في فترة مابين النهاية والبداية
المال، بداية ونهاية كل شيء الحب، الشرف، العنف، الغضب، الكراهية، الغيرة، الإنتقام، الموت،
لو كان الفيلم صامتا ولا ينطق به سوى هذه الجملة لكانت تكفي وتفيض فهو يقدم كل كلملة من هذه الجملة بصورة مختلفة ويجمعها جميعا تحت عنوان واحد وهو المال
خلال جلسه لي مع المخرج في العام ٢٠١١ وعبر أحد أفلامه حدثني قائلاً:
الحب, الحقد, الإحتقار, الفقد, التسامح, والفهم"
كل هذه العواطف حتماً الناس سوف تختبرها وتعيشها
لأنهم مبادئ إنسانية
نحافظ على حياتنا بالتغذية على الحيوانات والنباتات لنحيى مثلهم
لكننا دائماً نتنافس على الموارد المعدنية
لايوجد سبب لعدم الكره, أو التقزز, أو لِعدم فهم الحياة الإنسانية"
ليأتي في العام 2012 حاملاً معه هذه التحفة الفنيّة التي عرّف بها الإنسانية بقالب غير إنساني
وقال أيضاً:
"أنا هدفي الوصول إلى مكان لم تصل إليه الأفلام الكورية من قبل
الناس تقول بأن الأفلام الكورية متحسّنة.. لكنهم لم يسبق وحصلوا على جوائز عظمى في مهرجانات رفيعة المستوى
لا أعلم لماذا هذا.... لكن على أية حال, ربما أنا أريد أن أكون الأول, بعد كل شيء فأنا بشر"
ليأتي في العام القادم حاصداً ولأول مرّة في التاريخ جائزة الأسد الذهبي من مهرجان برلين
يستحق التأمّل والإحترام!!
"شو مين سو" في دور الأم تمثيل عظيم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق