الأربعاء، 28 يناير 2015

كشمير ما بين ظلال الماضي ومُفردات الحاضر

تُعدُّ قضيةُ كشمير ثاني أقدم قضية دولية لم يتم حلها إلى الآن بعد القضية الفلسطينية والتي تسببت في نُشوب حروب ثلاث بين الهند وباكستان وكادت أن تؤدي إلى اندلاع حرب رابعة في كارغيل عام 1999.
جذبت قضية كشمير اهتمام الرأي العالمي أكثر من القضية الفلسطينية لأسباب عدة أهمها امتلاك الهند وباكستان للأسلحة النووية وتكافُؤ القوى بين الدولتين إلى حد كبير. ونشوب أي حرب سيهدد الأمن والاستقرار العالمييْن بينما يتم تصفية القضية الفلسطينية وعلى مرأى من المجتمع الدولي ولم يتحرك ساكنا لإبادة شعب أعزل تحت وطأة الاحتلال.






والخلاف بين الهند وباكستان حول ملكية الإقليم غير مكترثيْن لطموحات وتطلعات الشعب الكشميري الذي ضحى بأكثر من 50000 شخص خلال عقد من الزمن بسبب الكفاح المسلح الذي اندلع عام 1989. حول هذه القضية التي لم تحل منذ الأنصال في شبه القارة تختلف الرواية بين الهند وباكستان بشأن خلفية ضم الإمارة من قبل الهند.
كشمير يتمزق في ظل تجاهل القرارات الدولية
وتعتبر نيودلهي أن المهراجا هاري سينغ وقّع على صك الانضمام إلى الهند بعد أن خُّير من قبل بريطانيا، كسائر الإمارات، إما بالانضمام إلى الهند أو باكستان بعد الانسحاب البريطاني من شبه القارة. لكن المهراجا الهندوسي قرر أن يأخذ بعين الاعتبار تطلعات سكان الإمارة التي يشكل المسلمون أكثر من77% منها ووافقت باكستان على الفور، بينما أرجأت الهند الموافقة لسبب أو لأخر حتى قرب موعد الخامس عشر من أغسطس 1947 عيد الاستقلال واتهمت باكستان بتضييق الخناق على المهراجا والضغط عليه للانضمام إليها.

وقامت الهند بإرسال قوات الجيش إلى الإقليم قبل الموافقة على الانضمام وهرع أهالي القبائل من الباتان لنجدة الشعب الكشميري المسلم بحجة قيام المهراجا بعملية التطهير العرقي ولجوء أكثر من 100000 كشميري مسلم إلى باكستان. واضطر المهراجا إلى طلب العون من الهند التي طلبت منه التوقيع على صك الانضمام إليها قبل التدخل العسكري. وبالفعل وقع المهراجا على قرار الانضمام للهند في السادس والعشرين من أكتوبر تشرين الأول 1947.

وكان جواهر لال نهرو اشترط الموافقة على قرار الضم من خلال أخذ رأي الشعب الكشميري بعد طرد الغازين من الإقليم. ووافق المهراجا على ذلك وتم نقل القوات الهندية إلى سريناغار بالطائرات الحربية في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.

ولم توافق باكستان بالطبع على الطريقة التي أجبر بها المهراجا على الانضمام للهند وكذلك دخول القوات الهندية للإقليم. بيد أن المجتمع الدولي اعترف بضم الهند لكشمير وطلب من باكستان إخلاء الجزء الذي يخضع لسيطرتها وصدر قرار في الأمم المتحدة 13-4-1948 وثلاث قرارات للجنة الأمم المتحدة حول الهند وباكستان في 13-8-1948، 5-1-1949 و28-4-1949، الأول طلب من باكستان سحب جميع قواتها من كشمير قبل أن تنسحب القوات الهندية ويتم إجراء استفتاء شعبي.

باكستان اعترضت ومن ثم وافقت على القرار الثالث وتعهدت بسحب القبائل وقواتها من كشمير خلال 7 أسابيع ولم تنفذ ذلك وكذلك الهند. ولم يتم إجراء الاستفتاء الشعبي، واستمر العداء بين الجارتين منذ حينه وتشتت العائلات الكشميرية بين شطري الإقليم واستمرت معاناتهم حتى تاريخه وانقسم الشارع الكشميري بين مؤيد لباكستان وآخر للهند والقسم الباقي للاستقلال بعد أن فقدوا الثقة من الجانبين.

واستمرت معاناتهم مع تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وزيادة نسبة البطالة وسط الطبقة المثقفة مما دفع بالعديد إلى التوجه للسلاح لتحقيق مبتغاه تحت ذريعة أو أخرى.
الحرب الدولية ضد الارهاب قد تكون على حساب القضية الكشميرية
ولم تنكر باكستان تقديم الدعم اللوجستي للكشميريين بينما اعتبرت الهند أن باكستان تدعم الإرهاب عبر الحدود. ودخلت فترة الجهاد في أفغانستان لتلقي بظلالها على القضية الكشميرية وبدأت الحركات الكشميرية باستقطاب المجاهدين الأفغان وغيرهم من الشيشان والعرب والباكستانيين. وانتشرت ظاهرة العمليات الانتحارية واختطفت هذه الجماعات المسلحة زمام المبادرة من الكشميريين وخيم الخوف والهلع على المواطن الكشميري الذي لم يتعود على هذه الطريقة من العنف المسلح وبدأ يشعر بخسارته لقضيته.

الآن وبعد الحملة الدولية ضد الإرهاب في أفغانستان و الإفرازات الجديدة للمعادلات الإقليمية وموازين القوى، يعتقد العديد من المُحللين أن الصراع حول كشمير سيكون ضمن الحرب على الإرهاب على حساب القضية الكشميرية. والأوضاع الحالية المتوترة بين الهند وباكستان ما هي إلا جزء من اللعبة الجديدة في المنطقة، فالولايات المتحدة والدول الغربية من مصلحتها تحقيق الأمن والاستقرار في جنوب آسيا لاستغلال خيرات دول آسيا الوسطى والاستثمار في السوق الهندية الاستهلاكية الضخمة، وبالتالي إبعادُ باكستان عن الملف الكشميري، كما تخلت عن الطالبان، سيساهم في تخفيف حدة التوتر بين الجارتين النوويتين.

وبالفعل بدأت الدول الغربية بممارسة الضغوط على باكستان لقمع الجماعات الكشميرية التي تتخذ من باكستان مقرا لها. وهناك من يعتقد أن هذه التطورات هي لمصلحة الشعب الكشميري إذ أن تخلي باكستان عن دعم الحركات الانفصالية سيوجه أنظار العالم إلى الهند التي سيعود الشارع الكشميري للمطالبة بحقوقه وحصته من النمو والازدهار والاستقلالية شبه التامة التي ينص عنها الدستور الهندي وتطالب بها الإدارة المحلية ومجلس التشريعي هناك ومنظمة حقوق الإنسان. والأمم المتحدة ستلعب دورا هاما في إعادة ترتيب البيت الكشميري بما فيه خدمة مصالحه وتطلعاته لأن الحسم العسكري للقضية من غير الممكن لأي طرف، وقوة الردع النووية ستقلل من فرص نشوب حرب شاملة بين الجارتين.

هذا التصور الجديد لقضية الصراع على كشمير لا يسر العديد لكنه الأقرب إلى الواقع في ظل السياسة الدولية الجديدة والنظام العالمي الجديد الأحادي القطب.

د.وائل عواد - سريناغار – الشطر الهندي من كاشمير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق