الاثنين، 4 ديسمبر 2017

‏مقالة روجر ايبرت لفيلم معركة الجزائر



أكثر أصناف القتال شهرة منذ ١٩٤٥ تضمن هجوم مقاتلي المقاومة غير النظامية لقوات حكومية
ومن ثم عودتهم واختفائها بين الجموع . القنابل المزروعة من قبل مدنيين، غالبا من النساء أو الأطفال خدمت كأسلحة مميتة في هذه الحرب. الولايات المتحدة، فرنسا، روسيا، اسرائيل، ايرلندا الشمالية، جنوب افريقيا وبعض دول امريكا الجنوبية كلها خاضت تجاربها مع حرب العصابات في المدن.





جورج دبليو بوش احتج في أول مناظرة تلفزيونية له مع السيناتور جون كيري
بأنه ظن بأن جيش صدام سيصمد ويقاتل، لكنه تلاشى سريعا في شوارع المدينة. لقد حمل مسؤلية بعض المشاكل في العراق الى حقيقة أن نصر الولايات المتحدة جاء سريعا وسهلا، لو استفدنا من دروس الصراعات الأخرى، لربما كان من المبكر جداَ اعلان ذاك نصراَ. لقد اختفى الجيش، لكنه لم يغادر.

فيلم جيلو بونتيكورفو “معركة الجزائر” المصور سنة ١٩٦٥، والذي عُرض في أواخر ١٩٦٧ هو أهم فيلم
عن هذا النوع الجديد من القتال. الفيلم يتضمن ميدان-الاختبار للتكتيكات الناشئة في الجزائر من ١٩٥٤ الى ١٩٦٢، في الوقت الذي حاولت فيه فرنسا وفشلت
في احتواء الانتفاضة القومية.
التكتيكات التي كانت ناجحة في الجزائر تم تبنيها من قِبل كاسترو وجيفارا في كوبا، ومن الفيت كونغ(الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام)، من الفلسطينيين، من الجيش الجمهوري الايرلندي، من المقاتلين في جنوب افريقيا، ويتم استعمالها حالياَ في العراق. رد الفعل التقليدي كان الاعتقال، والتحقيق وأحياناَ التعذيب للمقاتلين، الذين
يجبرون تحت الضغط على فضح أسماء وخطط شركائهم.

هذه النظرية يشرحها ضابط فرنسي عسكري في “معركة الجزائر” : الجماعات الارهابية مثل الدودة الشريطية، يظلون يستعيدون حياتهم حتى تقطع الرأس. هذا ليس سهلا، لآن هذه الجماعات مقسمة الى خلايا لئلا يعرف أي عضو سوى بعض الأسماء القليلة. لهذا، كلا الجانبين لا يمكنهما تحديد مدى كثرة( أو قلة) المتمردين المتورطين.

“معركة الجزائر” هو فيلم تدريبي لحرب العصابات في المدن، كما أعلن جيمي بريسلين في التلفاز سنة ١٩٦٨. ومما لاشك فيه أن الفيلم عرض من قبل حزب الفهود السود والجيش الجمهوري الايرلندي لأعضائهم، وفي سبتمبر ٢٠٠٣ أعلنت النيويورك تايمز في تقرير أن الفيلم قد عُرض في البنتاغون لخبراء عسكريين ومدنيين. مراسل النيويورك تايمز مايكل كوفمان كتب أن المشاهدين في البنتاغون كان “مطلوباَ منهم بشدة أن يهتموا ويناقشوا القضايا المضمنة في جوهر الفيلم، الوسائل القمعية والوحشية الاشكالية، لكن ذات الكفاءة المغرية المستعملة ضد الارهابيين المختفين في أماكن مثل الجزائر والعراق.” باختصار، امكانيات التعذيب.

صدر فيلم بونتيكورفو في ذروة المشاعر المعادية للحرب في الولايات المتحدة، وحقق نجاحاَ مفاجئاَ في شباك التذاكر، وتم عرضه خلال ١٤ آسبوع في شيكاغو.تم وصفه بأنه”غير منحاز” ويتردد بين روايات جبهة التحرير الوطنية الجزائرية (ج ت و) والشرطة الفرنسية والمظليين المكلفين بتدميرها.
“لقد اتخذ بونتيكورفو موقفه،” هذا ما كتبته في مراجعتي عام ١٩٦٨، “في مكان ما بين جبهة التحرير الوطني والفرنسيين، على رغم أن عواطفه في صف الوطنيين. إنه يعي أن هناك مدنيين أبرياء يموتون ويعذبون في كلا الجانبين، تلك القنابل لا تستطيع أن تختار ضحاياها، وأن كلا الجيشين يملكان أبطالاَ وأن كل شخص يقاتل يستطيع أن يحضر حجج منطقية لاثبات أنه في صف الفضيلة.

هذا صحيح إلى حد ما. لكن بعد مشاهدة الفيلم مرة أخرى على أقراص الكرايتيرون الدي في دي الجديدة، أظن أن مشاعر بونتيكورفو تصطف بوضوح مع جبهة التحرير الوطني. المقاومة تُستفتح بأعضاء من جبهة التحرير الوطني متجهين الى رجال شرطة فرنسيون في الشارع واردائهم قتلى، غالباَ من الخلف. أما القنابل فتُستعمل ضد معاقل الشرطة. هذه الأفعال تُعرض بصمت، لكن عندما يرد الفرنسيون بتفجير منزل ارهابي، موسيقى انيو موريكوني تصبح حِدادية بينما ينبش الناجون الحطام. بينما لا تتعاطف موسيقاه مع رجال الشرطة الميتين.

لكن مونتيكورفو على أي حال، يُظهر القيادة الفرنسية بشكل موضوعي نسبياَ. في فيلم تم اختيار الممثلين فيه بشكل شبه كلي من المحليين غير محترفي التمثيل، يختار ممثل مسرح باريس المخضرم جين مارتن ليلعب دور العقيد ماثيو، قائد المظليين المرسَلين لدعم الشرطة. ماثيو الذي كان بنفسه عضواَ في المقاومة الفرنسية ضد النازية، وبعد ذلك شهد هزيمة فرنسا في الهند الصينية، يملك خبرة في حرب المدن، إنه هادئ، محلل واستراتيجي في تفكيره ويعتبر أن جبهة التحرير الوطني عدواَ لا مجرد قوة حاقدة. عندما كان الرأي العام الفرنسي يتحول الى موقف ضد الحرب، يطوقه الصحفيون الذين يقتبس أحدهم من الفيسلوف جان بول سارتر.
ويعترض العقيد ماثيو: “ لماذا يقف السارتريون دائما مع الجانب الآخر ؟”
ويسأل صحفي: “ هل تحب سارتر؟”
“لا، لدرجة أني أعتبره عدواَ.”

فيلم بونتيكورفو يبقى حتى اليوم نصراَ لقِيَم الإنتاج الواقعي. و بتصوير الفيلم في مواقع في العاصمة الجزائر، مستخدماَ مواقع حقيقية في الحي الأوروبي وفي القصبة( التي تؤوي جبهة التحرير الوطني)، تمكن من تحقيق واقعٍ مقنع وجده ضروريا لإخلاء مسؤوليته: لايوجد “أي أثر: لوثائقي أو لقطات فيلم اخباري في فيلمه ذي الساعتين. كل شيء تم تصويره مباشراَ، حتى مشاهد الشغب التي تقاتل فيها الشرطة المتظاهرين
انه يقدم المشاهد ويؤخرها بين العقيد ماثيو والعسكريين الآخرين وبين القادة المدنيين وعصبة مقاتلي جبهة التحرير الممزقة، التي يبدو أن أهم شخصياتها هو علي لابيونتي (يمثله ابراهيم هاشياق)، طالب المدرسة التائب، والمجرم المحترف الذي ينضم الى جبهة التحرير بعد أن يشهد اعداماَ في السجن. وعودة الى الشوارع، علي تصله تعليمات (بواسطة ولد صغير) بأن يطلق النار على رجل شرطة يلتقى يومياَ بمخبر جزائري. امرأة ستكون واقفة أمام قهوة سوف تسلمه السلاح.

يجد علي القهوة، ورجل الشرطة والمرأة والسلاح ولكنه عندما يسحب الزناد يرى أن المسدس غير محشو. فيشعر بالخيانة من قبل منظمة التحرير، لكن المرأة تأخذه إلى الشخص المسؤول الذي يبرر: إنهم لم يكونوا يعرفون اذا ماكانوا يستطيعون أن يثقوا به. علي قد يكون مجنداَ من قبل الفرنسيين في السجن. وسبب اخبارهم له بأن يطلق النار على الشرطي بدلاَ من المُخبر هو أنه لو كان جاسوساَ للشرطة حقاَ، فإن الشرطة لن تمانع قتله لمدني،لكنهم لن يدعوا مخبراً يطلق النار على رجل شرطة فرنسي. بسحبه للزناد، علي مارس القتل رمزيا وكسب تذكرة دخوله لجبهة التحرير الوطني.

هذا التبرير صادم، ويحمل في طياته كمية مرعبة من المنطق. قوة “ معركة الجزائر”، وسبب عرضه في البنتاغون بعد ٣٥ سنة من انتاجه هو أنه شفاف ونزيه ويختبر تكتيكات كلا الطرفين. الفيلم يعرض الفرنسيين وهم يُعدون حواجز الطرق ونقاط التفتيش بين القصبة والحي الأوروبي. ثم يلحق ثلاث نساء، واحدة مع طفل، اللائي يتجهن مباشرة الى نقاط التفتيش مع قنابل في حقائبهن. واحدة من النساء تزرع القنبلة في القهوة، وبعدها في مشهد مُربك تشاهد زبائن يأكلون، يشربون، يدخنون ويتحدثون، زبائن سيكونون عما قليل أمواتاَ.هذه التفجيرات تشابه وتتنبأ بالتفجيرات في اسرائيل والمملكة المتحدة والعراق بشكل مرعب.

العقيد ماثيو يؤدي واجبه كما المطلوب. رسمه التخطيطي لخلايا جبهة التحرير الدي يحتوى مربعات تم ملؤها بالتدريج ، وبعد هزيمته النهائية لعلي وثلاثة آخرين محاصرين في مكان اختبائهم يعلن نصره.تم ازالة جبهة التحرير الوطني. وبعد سنتين، يلاحظ الفيلم أنه بدون سبب محدد يمكن لأي أحد شرحه، الانتفاضة تبدأ من جديد عندما تتدفق الحشود من القصبة وتسحق الشرطة. في ١٩٦٢، فرنسا أعطت الجزائر حريتها.

الدروس التي قد يكسبها المشاهد الحديث لهذا الفيلم يعتمد على المشاهِد نفسه وعلى ماذا يريد أن يرى. هؤلاء الذين يدرسون التكتيكات الفرنسية يجب أن ينتبهوا أنها قد فشلت. على الرغم من أن استخدام الأمريكيين للتعذيب في سجن أبو غريب تم تبريره على الأقل بالحصول على أسماء مواقع والعديد من المقاتلين الأعداء، إلا أن معدل حرب المدن في العراق يتصاعد. قبل أيام قليلة من كتاتبي هذه المراجعة، حوالي ٣٥ طفل تم قتلهم بقنبلة بينما كانوا يُعطون الحلوى من قبل الأمريكيين. المعضلة الأخلاقية هنا هي أن كثيراَ من العراقيين سيلموننا نحن على الوفيات، لأنه لو لم نكن نحن هناك لما حدث التفجير أصلاَ. بالتأكيد المفجرون هم القتلة. لكن “معركة الجزائر” يرينا الآن كما كان يفعل عندما تم انتاجه، أنه بالنسبة لحركات المقاومة الوطنية، الغايات تبرر الوسائل.
الرئيس بوش قال شيئاَ ما في المناظرة يوضحه هذا الفيلم بوضوح : محاربة الارهاب عمل شاق.


ترجمة

@yaqdan21

The Battle of Algiers 1966

October 10, 2004
٤/٤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق