ـ إسراء إمام
مريض الإكتئاب ليس كمن يكور نفسه فى ركن، يُعتم غرفته، يبتلع كلماته، ويعتزل العالم. إنما هو من يحمل فى جيوب قلبه شحنة آلامه، غضبه، ورعبه. يخطو بها هنا وهنا، يسير معها وحيدا وسط الجموع، بينما لا يراها الآخرون وهى تطفر من بين ابتساماته، زعقاته، وزفراته.
مريض الإكتئاب هو الشخص المحاصر بين صراعه الدائر والدائم، ذلك النزاع القائم بين أمله وألمه. نقطة الحياد هى منبت معاناته، فذروة مرضه تتلخص عند النقطة الرمادية، التى تأبى أن تأخذه إلى سلام اللون الأبيض، وعتمة اللون الأسود. نعم، إنها الحقيقة المنافية لمفهوم البعض عن هذا المرض، حينما يعتبرون أن جموح الشخص فى العزلة، وقراره الحاسم بخصوص الموت، هى الدرجة الغامقة، والمرحلة الفاصلة التى عندها يمكن تشخيصه كمريض إكتئاب من الدرجة الأولى. فالأول لايزال يعافر، وفى المعافرة يكمن الوجع والجهد، ينشبكان فى ترس دورانى، مولدا شحنات إضافية وطازجة من العبأ. بينما الثانى، بدا مطمئنا بأنه بات مستقِرا عند قاع الهاوية، لا مزيد من التيه، وبذل النفس للفِكر.
كلير «جينيفر أنستون» فى فيلم كيك، هى الشخصية الإكتئابية النموذجية التى قد تتعرض لها يوما فى السينما. إمرأة ثرية، تحيا فى منزل فضفاض بجسد مشوه بندبات العمليات الجراحية، إثر حادثة سيارة فقدت فيها ابنها. كل خطوة قدم لها على الأرض، تدِب ألما فى جسدها الذى يأبى أن يُشفى، ألمها ينغز ذاكرتها ويُغذى إحساسها بالفقد والوحدة. فتظل دائرتها المفرغة تدور حولها، بإيقاع وئيد، مميت، وغنى بالمشاعر الإنسانية المعقدة.